منتدى التوحيد الخالص
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

بسم الله الرحمن الرحيم

نعلن لكافة أعضاء وزوار المنتدى أنه قد تم بفضل الله افتتاح

منتدى التوحيد الخالص

في نسخة جديدة ومطورة، والذي سيوفر إن شاء الله لرواده تسهيلات إضافية لاحتوائه على امتيازات وخصائص حديثة أفضل من سابقه

وقد تم اختيار إحدى أفضل الشركات العالمية المتخصصة لرفع المنتدى وضمان أفضل خدمة لرواده إن شاء الله تعالى

ولذلك نرجو من الجميع التسجيل بنفس الأسماء في المنتدى الجديد
www.twhed.com/vb






 

 الأدلة على أن الإيمان بكمال صفات الله عز وجل هو من أصل التوحيد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الشاطبي
عضو نشيط



عدد الرسائل : 22
تاريخ التسجيل : 12/10/2008

الأدلة على أن الإيمان بكمال صفات الله عز وجل هو من أصل التوحيد Empty
مُساهمةموضوع: الأدلة على أن الإيمان بكمال صفات الله عز وجل هو من أصل التوحيد   الأدلة على أن الإيمان بكمال صفات الله عز وجل هو من أصل التوحيد I_icon_minitimeالأربعاء 9 سبتمبر - 13:25

الأدلة على أن الإيمان بكمال صفات الله عز وجل هو من أصل التوحيد

ملاحظة : ما بين (( )) عبارة عن الحواشي نقلتها إلى المتن .
---------------------------------------------------------------
إن الله سبحانه وتعالى له الكمال المطلق ومنزه عن النقائص مطلقاً في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله ، فمن لم يؤمن إيماناً جازماً لا شك فيه بأن الله له الكمال المطلق ومنزه عن جميع النقائص والمعائب والآفات ومشابهة خلقه مطلقاً في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله فهو في الحقيقة لم يعرف الخالق سبحانه ، ولم يفرق بين الرب والمربوب ، والخالق والمخلوق ، وملك الكون والعبد المملوك .
فالله سبحانه وتعالى مباين لخلقه في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله ، والنقص والعجز والآفات والاحتياج للغير وأمثاله من صفات النقص إنما هي من صفات المخلوقين لا من صفات الخالق عز وجل ، فالله سبحانه وتعالى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } (الشورى: 11) لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ }* (الإخلاص: 4) .
قال الله عز وجل مبيناً أنه له الكمال المطلق : { لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }* (النحل: 60)
قال الحافظ ابن كثير في تفسير الآية السابقة : ({ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأعْلَى } أي: الكمال المطلق من كل وجه ) ((تفسير ابن كثير (8/320) .)) .
وقال شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية : ( وثبوت معنى الكمال قد دل عليه القرآن بعبارات متنوعة دالة على معان متضمنة لهذا المعنى فما في القرآن من إثبات الحمد لله وتفصيل محامده وأن له المثل الأعلى وإثبات معاني أسمائه ونحو ذلك كله دال على هذا المعنى . وقد ثبت لفظ الكامل فيما رواه ابن أبى طلحة عن ابن عباس في تفسير { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ }* (الإخلاص: 1-2) أن الصمد هو المستحق للكمال وهو السيد الذي كمل في سؤدده والشريف الذي قد كمل في شرفه والعظيم الذي قد كمل في عظمته والحكم الذي قد كمل في حكمه والغني الذي قد كمل في غناه والجبار الذي قد كمل في جبروته والعالم الذي قد كمل في علمه والحكيم الذي قد كمل في حكمته وهو الشريف الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد وهو الله سبحانه وتعالى . وهذه صفة لا تنبغي إلا له ليس له كفؤ ولا كمثله شيء وهكذا سائر صفات الكمال ولم يعلم أحد من الأمة نازع في هذا المعنى ، بل هذا المعنى مستقر في فطر الناس بل هم مفطورون عليه ، فإنهم كما أنهم مفطورون على الإقرار بالخالق فإنهم مفطورون على أنه أجل وأكبر وأعلى وأعلم وأعظم وأكمل من كل شيء ) ((مجموع الفتاوى (6/72) .)) . وقال في موضع آخر : ( والرب حي قيوم غني صمد واجب بنفسه مستحق لصفات الكمال بنفسه ممتنع اتصافه بنقائضها ، فإن كماله من لوازم ذاته الواجبة الوجود بنفسها التي يمتنع عدمها أو عدم شيء من لوازمها ، والمخلوق يجب أن يكون معدوماً محدثاً فقيراً ، فلو تماثلا للزم أن يكون كل منهما واجب الوجود واجب العدم قديماً محدثاً غنياً بنفسه فقيراً بنفسه وذلك جمع بين النقيضين ) ((الاستغاثة في الرد على البكري (1/195-196) . )) .
وإن تنزيه الله سبحانه وتعالى عن جميع النقائص ، وتقديسه ، ووصفه بالكمال المطلق في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله من أصول جميع الأنبياء والمرسلين ، ولقد أشار إلى هذا الإمام الكبير شمس الدين ابن قيم الجوزية في كلام رائع حيث قال :
( جميع النبوات من أولها إلى آخرها متفقة على أصول .
أحدها : أن الله سبحانه وتعالى قديم واحد لا شريك له في ملكه ولا ند ولا ضد ولا وزير ولا مشير ولا ظهير ، ولا شافع إلا من بعد إذنه .
الثاني : أنه لا والد له ولا ولد ، ولا كفؤ ولا نسيب بوجه من الوجوه ، ولا زوجة .
الثالث : أنه غني بذاته فلا يأكل ولا يشرب ولا يحتاج إلى شيء مما يحتاج إليه خلقه بوجه من الوجوه .
الرابع : أنه لا يتغير ولا تعرض له الآفات من الهرم والمرض والسنة والنوم والنسيان والندم والخوف والهم والحزن ونحو ذلك .
الخامس : أنه لا يماثل شيئاً من مخلوقاته ، بل ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله .
السادس : أنه لا يحل في شيء من مخلوقاته ، ولا يحل في ذاته شيء منها ، بل هو بائن عن خلقه بذاته ، والخلق بائنون عنه .
السابع : أنه أعظم من كل شيء ، وأكبر من كل شيء ، وفوق كل شيء ، وعال على كل شيء ، وليس فوقه شيء البتة .
الثامن : أنه قادر على كل شيء ، فلا يعجزه شيء يريده ، بل هو الفعال لما يريد .
التاسع : أنه عالم بكل شيء ، يعلم السر وأخفى ، ويعلم ما كان ، وما يكون ، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون ، وما تسقط من ورقة إلا بعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس ولا متحرك إلا وهو يعلمه على حقيقته .
العاشر : أنه سميع بصير ، يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات ، ويرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ، فقد أحاط سمعه بجميع المسموعات ، وبصره بجميع المبصرات ، وعلمه بجميع المعلومات ، وقدرته بجميع المقدورات ، ونفذت مشيئته في جميع البريات ، وعمت رحمته جميع المخلوقات ، ووسع كرسيه الأرض والسموات .
الحادي عشر : أنه الشاهد الذي لا يغيب ، ولا يستخلف أحداً على تدبير ملكه ، ولا يحتاج إلى من يرفع إليه حوائج عباده أو يعاونه عليها أو يستعطفه عليهم ويسترحمه لهم .
الثاني عشر : أنه الأبدي الباقي الذي لا يضمحل ولا يتلاشى ولا يعدم ولا يموت .
الثالث عشر : أنه المتكلم الآمر الناهي ، قائل الحق ، وهادي السبيل ، ومرسل الرسل ، ومنزل الكتب ، والقائم على كل نفس بما كسبت من الخير والشر ، ومجازى المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته .
الرابع عشر : أنه الصادق في وعده وخبره ، فلا أصدق منه قيلا ولا أصدق منه حديثاً ، وهو لا يخلف الميعاد .
الخامس عشر : أنه تعالى صمد بجميع الصمدية ، فيستحيل عليه ما يناقض صمديته .
السادس عشر : أنه قدوس سلام ، فهو المبرأ من كل عيب وآفة ونقص .
السابع عشر : أنه الكامل الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه .
الثامن عشر : أنه العدل الذي لا يجور ولا يظلم ولا يخاف عباده منه ظلماً .
فهذا مما اتفقت عليه جميع الكتب والرسل ، وهو من المحكم الذي لا يجوز أن تأتي شريعة بخلافه ، ولا يخبر نبي بخلافه أصلاً . فترك المثلثة عباد الصليب هذا كله وتمسكوا بالمتشابه من المعاني والمجمل من الألفاظ وأقوال من ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل ، وأصول المثلثة ومقالتهم في رب العالمين تخالف هذا كله أشد المخالفة وتباينه أعظم المباينة ) ((هداية الحيارى في الرد على اليهود والنصارى ، ص 216-217 .)) .
ولقد سلك المنتسبون للإسلام زوراً وبهتاناً سنن النصارى حذو القذة بالقذة ، فقسم منهم نسب لله النقص جهرة كما هو الواقع في كثير من المجتمعات ((كنسبة كثير منهم الجور لرب العزة سبحانه ، وكذلك كنفيهم الحكمة عن الله في أفعاله ، وغيره كثير مما يطول ذكره مما لا يخفى على أحد ، بل وصل بهم الحد إلى أن سبوا الله عز وجل جهرة ففاقوا بذلك كفر أبي جهل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم ، فنسأل الله عز وجل العفو والعافية في الدنيا والآخرة . )) ، وأما القسم الآخر فقد تمسكوا بالمتشابه من المعاني ، وأقوال الملبسين من أئمة السوء الدعاة على أبواب جهنم ، فعذروا القسم الأول بالجهل تارة وبسوء التربية تارة وبالتأويل تارة ، فاعتقدوا إيمان وإسلام من لم ينزه الله سبحانه وتعالى عن جميع النقصان ، ومن لم يؤمن بأن الله سبحانه وتعالى له الكمال المطلق في ذاته وفي صفاته وأفعاله ((كقولهم إن من اعتقد أن الله له قدرة عظيمة ولكن جهل قدرته سبحانه على بعض الأمور هو مؤمن موحد ولا نكفره إلا بعد أن نقيم عليه الحجة ، وكقولهم إن من شك في حكمة الله عز وجل في بعض الأمور هو مؤمن موحد ولكن جاهل يعلم ، ولا يكفر إلا إذا أصر بعد التعليم ، فاعتقدوا بذلك إيمان الجاهلين برب العالمين ، وقولهم هذا هو ولاء للمشركين ولا يشك موحد في كفر هؤلاء أعاذنا الله منهم ومن أفهامهم الفاسدة التي أوصلتهم إلى مثل هذا الاعتقاد الكفري . )) ، وزادوا على قبيح اعتقادهم قبيحاً آخر بأن نسبوا هذا الاعتقاد إلى إمام الموحدين وخاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم حتى يحسنوا شركهم وإفكهم ، وحاشاه عليه الصلاة والسلام أن يقبل إسلام امرأ لم يؤمن بأن الله له الكمال المطلق الذي لا نقص فيه لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله .
لذا وجب عليك يا طالب رضوان الله عز وجل أن تسير على طريقة الأنبياء والمرسلين وتسلك سبيلهم والصراط الذي رسموه لمن يريد الجنان ، فتوقن أنه لا تتم معرفة الله ولا تصح إلا بإثبات الكمال المطلق له في ذاته وفي صفاته وأفعاله ، وبتنزيهه عن جميع النقائص والآفات والمعائب ومشابهة المخلوقين .
قال الإمام شمس الدين ابن قيم الجوزية : ( نوعي التوحيد الذي لا نجاة للعبد ولا فلاح إلا بهما ، وهما توحيد العلم والاعتقاد المتضمن تنزيه الله عما لا يليق به من الشرك والكفر والولد والوالد وأنه إله أحد صمد لم يلد فيكون له فرع ، ولم يولد فيكون له أصل ، ولم يكن له كفواً أحد فيكون له نظير ، ومع هذا فهو الصمد الذي اجتمعت له صفات الكمال ) ((بدائع الفوائد (1/243-244) .)) ، وقال في موضع آخر : ( وأهل السنة يقولون إن تنزيهه سبحانه عن العيوب والنقائص واجب لذاته كما أن إثبات صفات الكمال والحمد واجب لذاته وهو أظهر في العقول والفطر وجميع الكتب الإلهية وأقوال الرسل من كل شيء ) ((إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (2/223) .)) .
وقال أبو المظفر الإسفراييني : ( اعلموا أسعدكم الله إن الله تبارك وتعالى أمر عبده بمعرفته في ذاته وصفاته وعدله وحكمته وكماله في صفته ونفوذ مشيئته وكمال مملكته وعموم قدرته ، ولا تتكامل المعرفة بذلك كله إلا بنفي النقائص عنه وبإثبات أوصاف الكمال له من غير أن يشوبه شيء من بدع المبتدعين وإلحاد الملحدين ) ((التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين ، ص 13 .)) .
والأدلة على أن من لم يؤمن بأن الله له الكمال المطلق ومنزه عن النقائص مطلقاً أنه لا يعد موحداً ولا مؤمناً بالله ولا عارفاً به سبحانه كثيرة في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، بل لا تجد آية في القرآن إلا وتتضمن أحد أنواع التوحيد كما أشار لذلك الإمام شمس الدين ابن قيم الجوزية فقال :
( إن كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد ، شاهدة به ، داعية إليه ، فإن القرآن إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله فهو التوحيد العلمي الخبري ، وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع كل ما يعبد من دونه فهو التوحيد الإرادي الطلبي ، وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته في نهيه وأمره فهي حقوق التوحيد ومكملاته ، وإما خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة فهو جزاء توحيده ، وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب فهو خبر عمن خرج عن حكم التوحيد . فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم ) ((مدارج السالكين (2/563-564) .)) .
ولكن ما لا يدرك جميعه لا ينبغي ترك التنبيه على بعض ما يستدل به على ذلك ، فإليك بعض الأدلة الدالة على أن الإنسان لا يعد موحداً ولا مؤمناً بالله ولا عارفاً به سبحانه وتعالى إلا بالإيمان الجازم واليقيني أن الله عز وجل له الكمال المطلق ومنزه عن جميع النقائص في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله :

الدليل الأول :
إن وجود الخلق وعظمته ودقته وجماله الباهر يدل على أن له خالقاً منزهاً عن النقائص والمعائب والآفات ومشابهة المخلوقين ، ومتصفاً بالكمال المطلق في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله ، لأن المتصف بالنقص ولو في جزئية يمتنع أن يكون خالقاً لكل شيء ، وهذا معلوم بالضرورة العقلية لكل من لم تشوه الشياطين فطرته وعقله .
قال تعالى : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا }* (الطلاق: 12)
قال الشوكاني : ( واللام في { لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } متعلق بِـ { خَلَقَ } أو بِـ { يَتَنَزَّلُ } ، أو بمقدَّر ، أي : فعل ذلك ؛ لتعلموا كمال قدرته ، وإحاطته بالأشياء ، وهو معنى { وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } فلا يخرج عن علمه شيء منها كائناً ما كان ) ((تفسير الشوكاني ( 5/248) .)) .
قال الإمام ابن الجوزي : ( قوله تعالى : { لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } أعلمكم بهذا لتعلموا قدرته على كل شيء وعلمه بكل شيء ) ((تفسير ابن الجوزي (8/301) .)) .
قال الألوسي : ({ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } متعلق ب { خَلَقَ } ، أو بِـ { يَتَنَزَّلُ } أو بمضمر يعمهما أي فعل ذلك لتعلموا أن من قدر على ما ذكر قادر على كل شيء ، وقيل : التقدير أخبرتكم أو أعلمتكم بذلك لتعلموا ، وقرأ ليعلموا بياء الغيبة . { وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } لاستحالة صدور هذه الأفاعيل ممن ليس كذلك ) ((تفسير الألوسي (28/146) .)) .
قال برهان الدين البقاعي : ( { اللَّهُ } أي الذي له جميع صفات الكمال التي القدرة الشاملة إحداها ، ثم أخبر عنه بما يدل على ذلك لأن الصنعة تدل على الصانع وعلى ما له من الصفات فقال : { الَّذِي خَلَقَ } أي أوجد وحده من العدم بقدرته على وفق ما دبر بعلمه على هذا المنوال البديع القريب { سَبْعَ سَمَوَاتٍ } أي وإنهم يشاهدون عظمة ذلك ويشهدون أنه لا يقدر عليه إلا تام العلم كامل القدرة ) ((نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (20/171-172) .)) .
قال فخر الدين الرازي : ( قوله تعالى : { لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } قُرء { لِيَعْلَمُواْ } بالياء والتاء أي لكي تعلموا إذا تفكرتم في خلق السموات والأرض ، وما جرى من التدبير فيها أن من بلغت قدرته هذا المبلغ الذي لا يمكن أن يكون لغيره كانت قدرته ذاتية لا يعجزه شيء عما أراده )((تفسير الرازي (30/40) .)) .وقال في موضع آخر : (واستحقاق العبادة ليس إلا لمن يكون مستبداً بالإيجاد والإبداع ، والاستبداد بالإيجاد لا يحصل إلا لمن كان موصوفاً بالقدرة التامة والإرادة النافذة والعلم المتعلق بجميع المعلومات من الكليات والجزئيات)((تفسير الرازي (32/180) .)) ، وقال في موضع آخر : ( { أَلاَ إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } (يونس: 55) ولم يذكر الدليل على صحة هذه القضية ، لأنه تعالى قد استقصى في تقرير هذه الدلائل فيما سبق من هذه السورة ، وهو قوله : { إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } (يونس: 6) وقوله : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ } (يونس: 5) فلما تقدم ذكر هذه الدلائل القاهرة اكتفى بذكرها ، وذكر أن كل ما في العالم من نبات وحيوان وجسد وروح وظلمة ونور فهو ملكه ، ومتى كان الأمر كذلك ، كان قادراً على كل الممكنات ، عالماً بكل المعلومات غنياً عن جميع الحاجات ، منزهاً عن النقائص والآفات ) ((تفسير الرازي (17/118) .)) .
قال شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية : ( وذاتاً لا تتصف بصفات الكمال ليست خالق المخلوقات ) ((درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (10/156-157) .)) .
قال الإمام ابن الجوزي : ( إن الله سبحانه وتعالى قد بنى هذه الأجسام متقنة على قانون الحكمة ، فدل بذلك المصنوع على كمال قدرته ولطيف حكمته ) ((صيد الخاطر ، ص 34 .)) .
قال الإمام ابن القيم : ( تأمل العبرة في موضع هذا العالم وتأليف أجزائه ونظمها على أحسن نظام وأَدَلِّهِ على كمال قدرة خالقه وكمال علمه وكمال حكمته وكمال لطفه ) ((مفتاح دار السعادة (1/212-213) .)).

قال الشوكاني في تفسير قوله تعالى : { قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } (يونس: 101) :
( والمراد بالنظر : التفكر والاعتبار ، أي قل يا محمد للكفار : تفكروا واعتبروا بما في السموات والأرض من المصنوعات الدالة على الصانع ، ووحدته ، وكمال قدرته ) ((تفسير الشوكاني (2/476) . )).
قال الإمام ابن القيم : ( ولو أردنا نستوعب ما في آيات الله المشهورة من العجائب والدلالات الشاهدة لله بأن الله الذي لا إله إلا هو الذي ليس كمثله شيء وإنه الذي لا أعظم منه ولا أكمل منه ولا أبر ولا ألطف لعجزنا نحن والأولون والآخرون عن معرفة أدنى عشر معشار ذلك ) ((مفتاح دار السعادة لابن القيم (1/212) .)) .

قال تعالى : { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }* (الأعراف: 54)
وفي هذه الآية يبين الله تعالى صفات الربوبية لمن تأمل فيها ، فيذكر خلق السماوات والأرض ، ومن ثم يذكر تدبيره لهذا الكون وأن هذا التدبير هو بأمره سبحانه ، ومن ثم يذكر أن الخلق والأمر له وحده ، ويختم الآية بأن رب العالمين هو من له الكمال المطلق من جميع الوجوه ومنزه عن جميع النقائص .
فهي آية جامعة بحق لصفات الربوبية ، لأن إثبات صفة الخلق والأمر لله يجمع كل صفات الربوبية ، حيث أن خلق السموات والأرض يسلتزم أن يكون خالقها متصفاً بالقدرة التامة ، والعلم الشامل ، والحكمة البالغة ، والإرادة النافذة . كما أشار لذلك فخر الدين الرازي بقوله : ( والاستبداد بالإيجاد لا يحصل إلا لمن كان موصوفاً بالقدرة التامة والإرادة النافذة والعلم المتعلق بجميع المعلومات من الكليات والجزئيات ) ((تفسير الرازي (32/180) .)) .
ومن ثم أتبع الله هذه الصفة أي صفة الخلق المقتضية لصفات الربوبية كلها صفة الأمر ، وهي من لوازم صفة الخلق ، فالله سبحانه وتعالى ( له الخلق ) أي هو الذي خلق وهو المالك لمن خلق سبحانه وهو الذي يربي ويصلح ويدبر جميع شؤون خلقه في جميع مراحل حياتهم ، والتفرد بالخلق والملكية والإصلاح والتدبير والتربية يلزم منه السيادة المطلقة وأحقية إصدار الأوامر والتشريعات والأقضية كيفما أراد وكما يشاء في خلقه ومملكته البديعة العظيمة ((ولذلك فإن طواغيت الحكم يستدلون على حقهم بالتشريع والتحليل والتحريم والطاعة المطلقة بملكهم وعطاياهم على شعوبهم ، ألم تر إلى فرعون كيف أنه لما ادعى الربوبية بقوله : ( أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى (( (النازعات: 24) وادعى الألوهية بقوله : ( يَا أَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ( (القصص: 38) ، وكان قصده من ادعاء الربوبية والألوهية أحقية الطاعة المطلقة وأحقية التشريع والتحليل والتحريم ، حيث أفصح عن ذلك بقوله : ( مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ (( (غافر: 29) ، فاستدل على حقه بذلك بأنه يهدي إلى سبيل الرشاد ، واستدل أيضاً بذلك بملكه لمصر: ( وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلاَ تُبْصِرُونَ (( (الزخرف: 51) ، فانظر بالله عليك كيف لبَّس على قومه وأن الأنهار تجري من تحته وكأنه هو الذي يجريها لكن الحال هو كما قال رب العزة تبارك وتعالى : ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (( (الزخرف: 54) ، وكذب فرعون ورب العزة ، فإن ملك مصر وملك الكون كله لله عز وجل ( أَلاَ إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ( (النور: 64) ، وإن الله سبحانه وتعالى هو الذي يهدي إلى سبيل الرشاد ( قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (( (يونس: 35))).
وما على المخلوقين المربوبين المملوكين العبيد إلا السمع والطاعة لأوامر ربهم العظيم الذي خلقهم ، { وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }* (يس: 22) ، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }* (البقرة: 21) ، { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }* (البقرة: 130-131) ورب العالمين الذي استسلم له إمام الحنفاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام هو رب العالمين الذي يحي ويميت ويأتي بالشمس من المشرق ويطعم ويسقى ويشفي ويهدي ويغفر ويرحم ويسمع ويبصر ويدفع الضر ويسبغ النعم سبحانه وتعالى ، قال الله عز وجل قاصاً عن إبراهيم عليه السلام : { قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ }* (الشعراء: 75-82) .
ويجب أن تعلم أن الله سبحانه وتعالى له الأمر الكوني والشرعي .
أما الأمر الكوني ، فهو أن الله سبحانه وتعالى هو المتصرف في الكون ، وكل شيء تحت تصرفه وأمره ، فلا يكون إلا ما شاء .
وأما الأمر الشرعي ، فهو أن الله سبحانه وتعالى هو صاحب الحق في التشريع والتحليل والتحريم ، وأنه هو صاحب الحق في الطاعة المطلقة ، فكما أنه الآمر في الكون فهو الآمر للبشر .
لذا فإن المتأمل في هذه الآية وما تدل عليه يعرف أنها آية عظيمة بحق وأنها جامعة لصفات الربوبية .
قال فخر الدين الرازي : ( الآية دلت على أنه لا خالق إلا الله لأنه قال : { أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ } وهذا يفيد الحصر بمعنى أنه لا خالق إلا الله ، وذلك يدل على أن كل أمر يصدر عن فلك أو ملك أو جني أو إنسي ، فخالق ذلك الأمر في الحقيقة هو الله سبحانه لا غير . وإذا ثبت هذا الأصل تفرعت عليه مسائل : إحداها : أنه لا إله إلا الله إذ لو حصل إلهان لكان الإله الثاني خالقاً ومدبراً ، وذلك يناقض مدلول هذه الآية في تخصص الخلق بهذا الواحد . وثانيها : أنه لا تأثير للكواكب في أحوال هذا العالم ، وإلا لحصل خالق سوى الله ، وذلك ضد مدلول هذه الآية . وثالثها : أن القول بإثبات الطبائع ، وإثبات العقول والنفوس على ما يقوله الفلاسفة وأصحاب الطلسمات باطل ، وإلا لحصل خالق غير الله . ورابعها : خالق أعمال العباد هو الله ، وإلا لحصل خالق غير الله ) ((تفسير الرازي (14/128) .)) .
وقال في موضع آخر : ( { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ } وقد بينا أن خلق السموات والأرض يدل على وجود الصانع وقدرته وحكمته من وجوه كثيرة . وأما الذي ذكره بعد هذه الكلمة فأشياء : أولها : قوله : { يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا } وذلك أحد الدلائل الدالة على وجود الله ، وعلى قدرته وحكمته . وثانيها : قوله : { وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ } وهو أيضاً من الدلائل الدالة على الوجود والقدرة والعلم . وثالثها : قوله : { أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ } وهو أيضاً إشارة إلى كمال قدرته وحكمته ، إذا ثبت هذا فنقول : أول الآية إشارة إلى ذكر ما يدل على الوجود والقدرة والعلم ، وآخرها يدل أيضاً على هذا المطلوب ) ((تفسير الرازي (14/120) .)) .
قال الألوسي : ( { تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } أي تقدس وتنزه عن كل نقص ويدخل في ذلك تنزهه تعالى عن نقص في الخلق أو في الأمر دخولاً أولياً . ففي ذلك إشارة إلى أنهما طبق الحكمة وفي غاية الكمال ولا يقال ذلك في غيره تعالى ) ((تفسير الألوسي (8/138) .)) .
قال البيضاوي : ( { تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } تعالى بالوحدانية في الألوهية وتعظم بالتفرد في الربوبية ) ((تفسير البيضاوي (3/12) .)) .
قال فخر الدين الرازي : ( أما قوله تعالى : { تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } فاعلم أنه سبحانه لما بين كونه خالقاً للسموات ، والأرض ، والعرش ، والليل ، والنهار ، والشمس ، والقمر ، والنجوم وبين كون الكل مسخراً في قدرته وقهره ومشيئته ، وبين أن له الحكم والأمر والنهي والتكليف ، بين أنه يستحق الثناء والتقديس والتنزيه ، فقال : { تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } ) ((تفسير الرازي (14/133).)) .

ولقد رد الله عز وجل على من لم يؤمن بقدرته تعالى على جمع العظام المتفتتة وإحيائها من جديد بأنه شخص نسي خلقه، وأنه يكفيه مراحل تكوُّنه وخلقه من العدم كدليل على سعة قدرة الله تعالى وعظمته وأنه على كل شيء قدير .
قال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }* (يس: 77-83)
قال فخر الدين الرازي : ( وفي هذه الآيات إلى آخر السورة غرائب وعجائب نذكرها بقدر الإمكان إن شاء الله تعالى ، فنقول المنكرون للحشر منهم من لم يذكر فيه دليلاً ولا شبهة واكتفى بالاستبعاد وادعى الضرورة وهم الأكثرون ، ويدل عليه قوله تعالى حكاية عنهم في كثير من المواضع بلفظ الاستبعاد كما قال : { وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } (السجدة: 10) ، { أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } (الصافات: 16) ، { أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ }* (الصافات: 52-53) إلى غير ذلك فكذلك ههنا قال : { قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } على طريق الاستبعاد فبدأ أولاً بإبطال استبعادهم بقوله : { وَنَسِيَ خَلْقَهُ } أي نسي أنا خلقناه من تراب ومن نطفة متشابهة الأجزاء ، ثم جعلنا لهم من النواصي إلى الأقدام أعضاء مختلفة الصور والقوام وما اكتفينا بذلك حتى أودعناهم ما ليس من قبيل هذه الأجرام وهو النطق والعقل الذي بهما استحقوا الإكرام فإن كانوا يقنعون بمجرد الاستبعاد فهلا يستبعدون خلق الناطق العاقل من نطفة قذرة لم تكن محل الحياة أصلاً ، ويستبعدون إعادة النطق والعقل إلى محل كانا فيه ، ثم إن استبعادهم كان من جهة ما في الْمُعَادِ من التفتت والتفرق حيث قالوا : { مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } اختاروا العظم للذكر لأنه أبعد عن الحياة لعدم الإحساس فيه ووصفوه بما يقوي جانب الاستبعاد من البلى والتفتت والله تعالى دفع استبعادهم من جهة ما في المعيد من القدرة والعلم فقال: { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً } أي جعل قدرتنا كقدرتهم ونسي خلقه العجيب وبدأه الغريب ) ((تفسير الرازي (26/108-109) .)).
قال الشوكاني : ( { الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا } هذا رجوع منه سبحانه إلى تقرير ما تقدم من دفع استبعادهم فنبه سبحانه على وحدانيته ودل على قدرته على إحياء الأموات بما يشاهدونه من إخراج النار المحرقة من العود الندي الرطب وذلك أن الشجر المعروف بالمرخ والشجر المعروف بالعفار إذا قطع منهما عودان وضرب أحدهما على الآخر انقدحت منهما النار وهما أخضران ) ((تفسير الشوكاني (4/383) . )) .
قال الإمام أبي عبد الله القرطبي : ( إن الشجر الأخضر من الماء والماء بارد رطب ضد النار ، وهما لا يجتمعان ، فأخرج الله منه النار ، فهو القادر على إخراج الضد من الضد ، وهو على كل شيء قدير ، ويعني بالآية ما في المرخ والعفار وهي زنادة العرب ، ومنه قولهم : في كل شجر نار واستجمد المرخ والعفار ، فالعفار الزند وهو الأعلى ، والمرخ الزندة وهي الأسفل ، يؤخذ منهما غصنان مثل المسواكين يقطران ماء فيحك بعضهما إلى بعض فتخرج منهما النار ) ((تفسير القرطبي (17/491) .)) .
فمن يشهد أن الله خالقه وفي نفس الوقت لا يشهد أن له الكمال المطلق في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله فأمره عجيب ، قال تعالى : { وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }* (الرعد: 5)
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : ( يقول تعالى لرسوله محمد، صلوات الله وسلامه عليه: { وَإِنْ تَعْجَبْ } من تكذيب هؤلاء المشركين بأمر المعاد مع ما يشاهدونه من آيات الله سبحانه ودلالاته في خلقه على أنه القادر على ما يشاء ، ومع ما يعترفون به من أنه ابتدأ خلق الأشياء ، فكونها بعد أن لم تكن شيئاً مذكوراً ، ثم هم بعد هذا يكذبون خبره في أنه سيعيد العالمين خلقاً جديداً ، وقد اعترفوا وشاهدوا ما هو أعجب مما كذبوا به ، فالعجب من قولهم : { أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } وقد علم كل عالم وعاقل أن خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ، وأن من بدأ الخلق فالإعادة سهلة عليه ، كما قال تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (الأحقاف: 33) ثم نعت المكذبين بهذا فقال: { أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الأغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ } ) ((تفسير ابن كثير (8/107) .)) .
فكل من لم يعتقد أن الله واحد في صفاته ، وصفاته كلها كمال لا نقص فيها ، وأن الله واحد في أفعاله وأفعاله كلها بحكمة لا عبث فيها فهو المشرك الكافر و لا كرامة .
قال تعالى : { وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُورًا }* (الإسراء: 97-99)
قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية : ( يقول تعالى: هذا الذي جازيناهم به، من البعث على العمي والبكم والصمم ، جزاؤهم الذي يستحقونه لأنهم كذبوا { بِآيَاتِنَا } أي بأدلتنا وحججنا ، واستبعدوا وقوع البعث { وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا } بالية نخرة { أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا } أي: بعد ما صرنا إلى ما صرنا إليه من البلى والهلاك، والتفرق والذهاب في الأرض نعاد مرة ثانية ؟ فاحتج تعالى عليهم، ونبههم على قدرته على ذلك ، بأنه خلق السماوات والأرض ، فقدرته على إعادتهم أسهل من ذلك ((أي أن إعادة الإنسان من العظام المتفتتة أسهل من خلق السماوات والأرض من العدم ، ولكن الله عز وجل ليس شيء أسهل عليه من شيء ، بل الأشياء كلها بالنسبة إلى دخولها تحت قدرته كشيء واحد ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (( (يس: 82) )) كما قال : { لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ } (غافر: 57) وقال { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (الأحقاف: 33) وقال : { أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }* (يس: 81-83) .
وقال هاهنا: { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ } أي: يوم القيامة يعيد أبدانهم وينشئهم نشأة أخرى، ويعيدهم كما بدأهم ) ((تفسير ابن كثير (9/85) .)) .
فتأمل هداك الله مصير من لم يؤمنوا بأن الله على كل شيء قدير ، وتأمل هداك الله في عقاب الله لهم ، قال الله عز وجل : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا } (النساء: 82) فما بعد بيان الله بيان ! { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ }* (فصلت: 44) وبالله التوفيق .

الدليل الثاني :
إن الرب المستحق للعبادة إنما هو من تنزه عن النقائص مطلقاً ، فمن كان متصفاً بالنقص لا يصلح أن يكون إلهاً ، والدليل على هذا هو أن الله سبحانه وتعالى أظهر بطلان ألوهية الأصنام باتصافها بالنقص والعجز ، فقال عز من قائل : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }* (الحج: 73-74)
قال الإمام شمس الدين ابن قيم الجوزية : ( فتأمل هذا المثل الذي أمر الناس كلهم باستماعه فمن لم يستمعه فقد عصى أمره كيف تضمن إبطال الشرك وأسبابه بأصح برهان في أوجز عبارة وأحسنها وأحلاها ، وأسجل على جميع آلهة المشركين أنهم لو اجتمعوا كلهم في صعيد واحد وساعد بعضهم بعضاً ، وعاونه بأبلغ المعاونة لعجزوا عن خلق ذباب واحد ، ثم بين ضعفهم وعجزهم عن استنقاذ ما يسلبهم الذباب إياه حين يسقط عليهم ، فأي إله أضعف من هذا الإله المطلوب ومن عابده الطالب نفعه وخيره ، فهل قدر القوي العزيز حق قدره من أشرك معه آلهة هذا شأنها ؟!!
فأقام سبحانه حجة التوحيد وبين إفك أهل الشرك والإلحاد بأعذب ألفاظ وأحسنها لم يستكرهها غموض ولم يشنها تطويل ولم يعبها تقصير ولم تزر بها زيادة ولا نقص ، بل بلغت في الحسن والفصاحة والبيان والإيجاز مالا يتوهم متوهم ولا يظن ظان أن يكون أبلغ في معناها منها وتحتها من المعنى الجليل القدر العظيم الشرف البالغ في النفع ما هو أجل من الألفاظ ) ((الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (2/466-467) .)) .
قال سيد قطب رحمه الله : ( إنه النداء العام ، والنفير البعيد الصدى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ } . . فإذا تجمع الناس على النداء أعلنوا أنهم أمام مثل عام يضرب ، لا حالة ولا مناسبة حاضرة : { ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ } . . هذا المثل يضع قاعدة ، ويقرر حقيقة . { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ } . . كل من تدعون من دون الله من آلهة مدعاة . من أصنام وأوثان ، ومن أشخاص وقيم وأوضاع ، تستنصرون بها من دون الله ، وتستعينون بقوتها وتطلبون منها النصر والجاه . . كلهم { لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ } . . والذباب صغير حقير؛ ولكن هؤلاء الذين يدعونهم آلهة لا يقدرون ولو اجتمعوا وتساندوا على خلق هذا الذباب الصغير الحقير!
وخلق الذباب مستحيل كخلق الجمل والفيل . لأن الذباب يحتوي على ذلك السر المعجز سر الحياة . فيستوي في استحالة خلقه مع الجمل والفيل . . ولكن الأسلوب القرآني المعجز يختار الذباب الصغير الحقير لأن العجز عن خلقه يلقي في الحس ظل الضعف أكثر مما يلقيه العجز عن خلق الجمل والفيل! دون أن يخل هذا بالحقيقة في التعبير . وهذا من بدائع الأسلوب القرآني العجيب!
ثم يخطو خطوة أوسع في إبراز الضعف المزري : { وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ } . . والآلهة المدعاة لا تملك استنقاذ شيء من الذباب حين يسلبها إياه ، سواء كانت أصناماً أو أوثاناً أو أشخاصاً! وكم من عزيز يسلبه الذباب من الناس فلا يملكون رده . وقد اختير الذباب بالذات وهو ضعيف حقير . وهو في الوقت ذاته يحمل أخطر الأمراض ويسلب أغلى النفائس : يسلب العيون والجوارح ، وقد يسلب الحياة والأرواح . . إنه يحمل ميكروب السل والتيفود والدوسنتاريا والرمد . . ويسلب ما لا سبيل إلى استنقاذه وهو الضعيف الحقير! .
وهذه حقيقة أخرى كذلك يستخدمها الأسلوب القرآني المعجز . . ولو قال : وإن تسلبهم السباع شيئاً لا يستنقذوه منها . . لأوحى ذلك بالقوة بدل الضعف . والسباع لا تسلب شيئاً أعظم مما يسلبه الذباب! ولكنه الأسلوب القرآني العجيب!
ويختم ذلك المثل المصور الموحي بهذا التعقيب : { ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ } . ليقرر ما ألقاه المثل من ظلال ، وما أوحى به إلى المشاعر والقلوب!
وفي أنسب الظروف . . والمشاعر تفيض بالزراية والاحتقار لضعف الآلهة المدعاة يندد بسوء تقديرهم لله ، ويعرض قوة الله الحق الحقيق بأنه إله :
{ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } . .
ما قدروا الله حق قدره ، وهم يشركون به تلك الآلهة الكليلة العاجزة التي لا تخلق ذباباً ولو تجمعت له . بل لا تستنقذ ما يسلبها الذباب إياه!
ما قدروا الله حق قدره ، وهم يرون آثار قدرته ، وبدائع مخلوقاته ، ثم يشركون به من لا يستطيعون خلق الذباب الحقير!
ما قدروا الله حق قدره ، وهم يستعينون بتلك الآلهة العاجزة الكليلة عن استنقاذ ما يسلبها إياه الذباب ، ويدعون الله القوي العزيز ، إنه تقرير وتقريع في أشد المواقف مناسبة للخشوع والخضوع! ) ((في ظلال القرآن (4/2443-2444) .)) .
وقال تعالى : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ }* (الأحقاف: 5) ، وقال تعالى : { وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ }* (النحل: 20-21) ، وقال عن إبراهيم عليه السلام وهو يحتج على أبيه : { يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا }* (مريم: 42) وعلى قومه: { أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلاَ يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }* (الأنبياء: 66-67).
قال الإمام شمس الدين ابن قيم الجوزية : ( وهذا أمر معلوم بالفطر والعقول السليمة والكتب السماوية أن فاقد صفات الكمال لا يكون إلهاً ولا مدبراً ولا رباً بل هو مذموم معيب ناقص ليس له الحمد لا في الأولى ولا في الآخرة ، وإنما الحمد في الأولى والآخرة لمن له صفات الكمال ونعوت الجلال التي لأجلها استحق الحمد ) ((مدارج السالكين لابن القيم (1/37) .)) .
قال محمد بن محمد ابن مصطفى الخادمي الحنفي : " ( مُنَزَّهٌ ) مُبْعَدٌ وَمُبَرَّأٌ ، ( عَنْ صِفَاتِ النُّقْصَانِ ) الَّتِي تُوجِبُ انْحِطَاطًا فِي مَرَاتِبِ الأُلُوهِيَّةِ كَالْجَهْلِ وَالْعَجْزِ وَالاِفْتِقَارِ وَنَحْوِهَا ، نَقَلَ الدَّوَانِيُّ عَنْ ابْنِ تَيْمِيَّةَ كَوْنَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ مُجْمَعًا عَلَيْهَا ، ( كُلِّهَا ) لأَنَّ لَهُ الْكَمَالَ الْمُطْلَقَ ، وَمُسْتَغْنٍ عَنْ غَيْرِهِ مَعَ افْتِقَارِ الْكُلِّ إلَيْهِ ، ( مُتَّصِفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ ) فَكُلُّ مَا اتَّصَفَ بِهِ فَكَمَالٌ بَلْ كُلُّ كَمَالٍ صِفَةٌ لَهُ ، ( كُلِّهَا وَلَيْسَ لَهُ كَمَالٌ مُتَوَقَّعٌ ) أَيْ مُنْتَظَرٌ لِلُزُومِ النَّقْصِ فِي الأَزَلِ وَلِلُزُومِ كَوْنِهِ مَحَلَّ الْحَوَادِثِ فِيمَا لاَ يُزَالُ ، ( قَدِيمٌ ) أَيْ لاَ ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ " ((بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية (1/208) .)) .
ومن صفات النقص التي نفاها الله تعالى عن نفسه : الموت ، والجهل ، والنسيان ، والعجز ، والسنة ، والنوم ، واللغوب ، والإعياء ، والظلم.
قال الله تعالى : { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ } (الفرقان: 58) ، وقال عن موسى عليه السلام : { قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنْسَى } (طه: 52) ، وقال سبحانه : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ } (فاطر: 44) ، وقال: { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } (البقرة: 255) ، وقال: { وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ } (ق: 38) ، وقال: { وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ } (الأحقاف: 33) ، وقال: { وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (الكهف: 49) . (((فائدة) : اعلم أن كل صفة نفاها الله تعالى عن نفسه فإنها متضمنة لشيئين :
أحدهما : انتفاء تلك الصفة ، والثاني: ثبوت كمال ضدها .
ألا ترى إلى قوله سبحانه : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (( (فاطر: 44). فإن الله تعالى لما نفى عن نفسه العجز بين أن ذلك لكمال علمه وقدرته .
وعلى هذا فنفي الظلم عن نفسه متضمن لكمال عدله ، ونفي اللغوب والعي متضمن لكمال قوته ، ونفي السنة والنوم متضمن لكمال حياته وقيوميته ، ونفي الموت متضمن لكمال حياته ، وعلى هذا تجري سائر الصفات المنفية . ولا يمكن أن يكون النفي في صفات الله عز وجل نفياً محضاً (أي نفياً دون فائدة) ، بل لابد أن يكون لإثبات كمال وذلك للوجوه التالية:
الأول: أن الله سبحانه وتعالى قال: ( وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى ( (النحل: 60) أي الوصف الأكمل وهذا معدوم في النفي المحض .
الثاني: أن الله سبحانه وتعالى يمدح نفسه بهذا النفي ، فلو كان هذا النفي نفياً محضاً مجرداً لا لشيء ولا لفائدة لكان عدماً محضاً ، والعدم المحض ليس بشيء ، وما ليس بشيء فكيف يكون مدحاً وكمالاً .
مثال على ذلك هو أن الله سبحانه وتعالى مدح نفسه بأنه لا تأخذه سنة ولا نوم ، فلو كان هذا النفي نفياً محضاً لا يتضمن إثبات كمال لكان مثل العدم أي اللاشيء ، لأن العدم المحض واللاشيء هو الموصوف بنفي محض ، والله جل جلاله ليس عدماً سبحانه فكان كل صفة نفاها عن نفسه إنما هو لإثبات كمال ضد هذه الصفة .
الثالث: أن النفي إن لم يتضمن كمالاً فقد يكون لعدم قابلية الموصوف لذلك المنفي أو ضده ، لا لكمال الموصوف كما إذا قيل: " الجدار لا يظلم " فنفي الظلم عن الجدار ليس لكمال الجدار ، ولكن لعدم قابلية اتصافه بالظلم أو العدل ، وحينئذ لا يكون نفي الظلم عنه مدحاً له ولا كمالاً فيه .
الرابع: أن النفي إن لم يتضمن كمالاً فقد يكون لنقص الموصوف أو لعجزه عنه كما لو قيل عن شخص عاجز عن الانتصار لنفسه ممن ظلمه: " إنه لا يجزي السيئة بالسيئة " فإن نفي مجازاته السيئة بمثلها ليس لكمال عفوه ولكن لعجزه عن الانتصار لنفسه وحينئذ يكون نفي ذلك عنه نقصاً وذماً لا كمالاً ومدحاً .
ألم تر إلى قول الحماسي يهجو قومه :
لَوْ كُنْتُ مِنْ مَازِنٍ لَمْ تَسْتَبِحْ إِبِلِي بَنُو اللَّقِيطَةِ مِـنْ ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَا
إلى أن قال:
لَكِنَّ قَوْمِي وَإِنْ كَانُوا ذَوِي عَدَدٍ لَيْسُوا مِنَ الشَّرِّ فِي شَيْءٍ وَإِنْ هَانَا
يَجْزُونَ مِنْ ظُلْمِ أَهْلِ الظُّلْمِ مَغْفِرَةً وَمِنْ إِسَاءَةِ أَهْـلِ السُّوءِ إِحْسَانَا
يريد بذلك ذمهم ووصفهم بالعجز لا مدحهم بكمال العفو بدليل قوله بعد:
فَلَيْتَ لِي بِهِمُو قَوْماً إِذَا رَكِبُوا شَنُّـوا الإِغَارَةَ رُكْبَاناً وَفُرْسَانَا))
وقد جعل الله عز وجل نفي صفة الكلام موجباً لبطلان الإلهية كما أشار إلى ذلك الإمام ابن القيم رحمه الله بقوله : ( فإن قيل فالله تعالى لا يكلم عباده قيل بلى قد كلمهم فمنهم من كلمه الله من وراء حجاب منه إليه بلا واسطة كموسى ومنهم من كلمه الله على لسان رسوله الملكي وهم الأنبياء وكلم الله سائر الناس على ألسنة رسله فأنزل عليهم كلامه الذي بلغته رسله عنه وقالوا لهم هذا كلام الله الذي تكلم به وأمرنا بتبليغه إليكم ومن ههنا قال السلف من أنكر كون الله متكلماً فقد أنكر رسالة الرسل كلهم لأن حقيقتها تبليغ كلامه الذي تكلم به إلى عباده ، فإذا انتفى كلامه انتفت الرسالة ، وقال تعالى في سورة طه عن السامري : { فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ * أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا }* (طه: 88-89) ، ورجع القول هو التكلم والتكليم ، وقال تعالى : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَم لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاَهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }* (النحل: 76) فجعل نفي صفة الكلام موجباً لبطلان الإلهية ، وهذا أمر معلوم بالفطر والعقول السليمة والكتب السماوية أن فاقد صفات الكمال لا يكون إلهاً ولا مدبراً ولا رباً بل هو مذموم معيب ناقص ليس له الحمد لا في الأولى ولا في الآخرة ، وإنما الحمد في الأولى والآخرة لمن له صفات الكمال ونعوت الجلال التي لأجلها استحق الحمد ، ولهذا سمى السلف كتبهم التي صنفوها في السنة وإثبات صفات الرب وعلوه على خلقه وكلامه وتكليمه توحيداً ، لأن نفي ذلك وإنكاره والكفر به إنكار للصانع وجحد له ، وإنما توحيده إثبات صفات كماله وتنزيهه عن التشبيه والنقائص ، فجعل المعطلة جحد الصفات وتعطيل الصانع عنها توحيداً ، وجعلوا إثباتها لله تشبيهاً وتجسيماً وتركيباً ، فسموا الباطل باسم الحق ترغيباً فيه وزخرفاً ينفقونه به ، وسموا الحق باسم الباطل تنفيراً عنه ، والناس أكثرهم مع ظاهر السكة ليس لهم نقد النقاد { مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا } (الكهف: 17) ، والمحمود لا يحمد على العدم والسكوت البتة إلا إذا كانت سلب عيوب ونقائص تتضمن إثبات أضدادها من الكمالات الثبوتية ، وإلا فالسلب المحض لا حمد فيه ولا مدح ولا كمال . وكذلك حمده لنفسه على عدم اتخاذ الولد المتضمن لكمال صمديته وغناه وملكه وتعبيد كل شيء له ، فاتخاذ الولد ينافي ذلك كما قال تعالى : { قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } (يونس: 68) ، وحمد نفسه على عدم الشريك المتضمن تفرده بالربوبية والإلهية وتوحده بصفات الكمال التي لا يوصف بها غيره فيكون شريكاً له ، فلو عدمها لكان كل موجود أكمل منه ، لأن الموجود أكمل من المعدوم ، ولهذا لا يحمد نفسه سبحانه بعدم إلا إذا كان متضمنا لثبوت كمال كما حمد نفسه بكونه لا يموت لتضمنه كمال حياته ، وحمد نفسه بكونه لا تأخذه سنة ولا نوم لتضمن ذلك كمال قيوميته ، وحمد نفسه بأنه لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر لكمال علمه وإحاطته ، وحمد نفسه بأنه لا يظلم أحدا لكمال عدله وإحسانه ، وحمد نفسه بأنه لا تدركه الأبصار لكمال عظمته يرى ولا يدرك كما أنه يعلم ولا يحاط به علماً ، فمجرد نفي الرؤية ليس بكمال لأن العدم لا يرى فليس في كون الشيء لا يرى كمال البتة ، وإنما الكمال في كونه لا يحاط به رؤيةً ولا إدراكاً لعظمته في نفسه وتعاليه عن إدراك المخلوق له ، وكذلك حمد نفسه بعدم الغفلة والنسيان لكمال علمه ، فكل سلب في القرآن حمد الله به نفسه فلمضادته لثبوت ضده ولتضمنه كمال ثبوت ضده ) ((مدارج السالكين لابن القيم (1/37-38) .)) .
نستنتج مما سبق أن الإله الحق ، والرب المستحق للعبادة إنما هو من كان له الكمال المطلق ومن كان منزها عن النقائص كلها في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله ، فانظر إلى الهدهد وتعجب منه كيف ذم قوم سبأ لسجودهم للشمس التي ليس لها الكمال لا في ذاتها ولا في صفتها ، ومن ثم قرر كمال قدرة الله وكمال علمه بألطف عبارة ، واستدل أن الإله الحق الذي يستحق العبادة هو من كان متصفاً بكمال القدرة والعلم لا غيره ، قال الله سبحانه وتعالى مخبراً عن الهدهد : { فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ * أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ }* ((فانظر بالله عليك إلى هذا الجندي من جنود التوحيد ، كيف أنه لما وجد قوماً يعبدون الشمس من دون الله حكم عليهم بعدم الهداية وأن سبب ضلالهم هو تزيين الشيطان لعملهم ، فلم يعذرهم بهذا التلبيس ، كما يعذر بعض المنافحين عن إيمان الجاهلين برب العالمين ، والمدافعين عن توحيد من يعبدون غير الله معتذرين لهم أنهم ملبس عليهم من قبل علمائهم ( كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ( (المدثر: 31) .)) (النمل: 22-26) .
قال فخر الدين الرازي : ( الآية دلت على وصف الله تعالى بالقدرة والعلم ، أما القدرة فقوله : { يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } وسمي المخبوء بالمصدر ، وهو يتناول جميع أنواع الأرزاق والأموال وإخراجه من السماء بالغيث ، ومن الأرض بالنبات . وأما العلم فقوله : { وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } . واعلم أن المقصود من هذا الكلام الرد على من يعبد الشمس وتحرير الدلالة هكذا : الإله يجب أن يكون قادراً على إخراج الخبء وعالماً بالخفيات ، والشمس ليست كذلك فهي لا تكون إلهاً وإذا لم تكن إلهاً لم يجز السجود لها ، أما أنه سبحانه وتعالى يجب أن يكون قادراً عالماً على الوجه المذكور ، فلما أنه واجب لذاته فلا تختص قادريته وعالميته ببعض المقدورات والمعلومات دون البعض ، وأما أن الشمس ليست كذلك فلأنها جسم متناه ، وكل ما كان متناهياً في الذات كان متناهياً في الصفات ، وإذا كان كذلك فحينئذ لا يعلم كونها قادرة على إخراج الخبء عالمة بالخفيات ، فإذا لم يعلم من حالها ذلك لم يعلم من حالها كونها قادرة على جلب المنافع ودفع المضار ، فرجع حاصل الدلالة إلى ما ذكره إبراهيم عليه السلام في قوله : { لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا } (مريم: 42) ) ((تفسير الرازي (24/192) .)) . اهـ
قال الإمام شمس الدين ابن قيم الجوزية في تفسير قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }* (الحج: 73-74) :
( وهذا المثل من أبلغ ما أنزله الله سبحانه في بطلان الشرك وتجهيل أهله وتقبيح عقولهم والشهادة على أن الشيطان قد تلاعب بهم أعظم من تلاعب الصبيان بالكرة حيث أعطوا الإلهية التي من بعض لوازمها القدرة على جميع المقدورات والإحاطة بجميع المعلومات والغنى عن جميع المخلوقات وأن يصمد إلى الرب في جميع الحاجات وتفريج الكربات وإغاثة اللهفات وإجابة الدعوات فأعطوها صورا وتماثيل يمتنع عليها القدرة على أقل مخلوقات الآلهة الحق وأذلها وأصغرها وأحقرها ولو اجتمعوا لذلك وتعاونوا عليه ) ((إعلام الموقعين (2/312-313) .)) .
ولقد اصطفى الله سبحانه وتعالى لملائكته وعباده كلاما هو من أفضل الكلام وهي كلمة ( سبحان الله وبحمده ) والتي تتضمن نفي النقائص عن الله مطلقاً ، وإثبات الكمال المطلق له سبحانه .
فَعَنْ أَبِى ذَرٍّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم سُئِلَ أَىُّ الْكَلاَمِ أَفْضَلُ قَالَ : « مَا اصْطَفَى اللَّهُ لِمَلاَئِكَتِهِ أَوْ لِعِبَادِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ » ((صحيح مسلم ، كتاب الذكر والدعاء والتوبة / باب فضل سبحان الله وبحمده ، طبعة المكنز (ص1402، حديث رقم:7101) ، الطبعة السلطانية (8/86) .)) . وَعَنْ أَبِى ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم : « أَلاَ أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الْكَلاَمِ إِلَى اللَّهِ » قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِى بِأَحَبِّ الْكَلاَمِ إِلَى اللَّهِ ، فَقَالَ « إِنَّ أَحَبَّ الْكَلاَمِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ » ((صحيح مسلم ، كتاب الذكر والدعاء والتوبة / باب فضل سبحان الله وبحمده ، طبعة المكنز (ص1402، حديث رقم:7102) ، الطبعة السلطانية (8/86) .)) .
واعلم أن ( سبحان الله وبحمده ) تعبير جامع لصفات الربوبية ، فإن سبحان الله تعنى تنزيه الله عن جميع النقائص والمعائب والآفات وسمات الحدث ومشابهة المخلوقين وكل ما لا يليق به سبحانه ، ويستلزم ذلك إثبات الكمال المطلق لله في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله ، وحمد الله عز وجل يعني إثبات الكمال المطلق لله عز وجل ، وذلك يتضمن نفي النقائص عنه جملة وتفصيلاً .
قال الإمام شمس الدين ابن قيم الجوزية : ( فإن التسبيح تنزيه الله سبحانه عن كل سوء ، قال ميمون بن مهران : سبحان الله كلمة يعظم بها الرب ويحاشى بها من السوء ، وقال ابن عباس : هي تنزيه لله من كل سوء ، وأصل اللفظة من المباعدة من قولهم سبحت في الأرض إذا تباعدت فيها ومنه { كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } (الأنبياء: 33) فمن أثنى على الله ونزهه عن السوء فقد سبحه ) ((شفاء العليل ، ص 302 .)) . وقال في موضع آخر : ( فسبحان الله رب العالمين تنزيها لربوبيته وإلهيته وعظمته وجلاله عما لا يليق به من كل ما نسبه إليه الجاهلون الظالمون ، فسبحان الله كلمة يحاشى الله بها عن كل ما يخالف كماله من سوء ونقص وعيب فهو المنزه التنزيه التام من كل وجه وبكل اعتبار عن كل نقص متوهم وإثبات عموم حمده وكماله وتمامه ينفي ذلك واتصافه بصفات الإلهية التي لا تكون لغيره وكونه أكبر من كل شيء في ذاته وأوصافه وأفعاله ينفي ذلك لمن رسخت معرفته في معنى سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ) ((شفاء العليل ، ص 314 .)) .
قال علاء الدين الكاساني الحنفي : ( مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ تَعَالَى فَقَدْ عَظَّمَهُ وَنَزَّهَهُ عَمَّا لاَ يَلِيقُ بِهِ مِنْ صِفَاتِ النَّقْصِ وَسِمَاتِ الْحَدَثِ ، فَصَارَ وَاصِفًا لَهُ بِالْعَظَمَةِ وَالْقِدَمِ ، وَكَذَا إذَا هَلَّلَ ((إذا هلل أي إذا قال لا إله إلا الله .)) ؛ لأَنَّهُ إذَا وَصَفَهُ بِالتَّفَرُّدِ وَالأُلُوهِيَّةِ فَقَدْ وَصَفَهُ بِالْعَظَمَةِ وَالْقِدَمِ لاِسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ الإِلَهِيَّة دُونَهُمَا ) ((بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1/594) .)) .
فهي عبارة عظيمة بحق ، وقد ورد في فضلها أحاديث عدة ، منها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، وَمَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ » ((صحيح مسلم ، كتاب الذكر والدعاء والتوبة / باب فضل التهليل والتسبيح ، طبعة المكنز (ص1377-1378 ، رقم:7018) ، الطبعة السلطانية (8/69) .)) .
و رحم الله الإمام ابن القيم حين قال :
وَمَا بَلَغَ الْمُهْدُونَ نَـحْوَكَ مـَدْحَةً وَإِنْ أَطْنَبُوا , إِنَّ الذِّي فِيكَ أَعْظَمُ
لَكَ الْحَمْدُ كُلُّ الْحَمْدِ , لاَ مَبْدَا لَهُ وَلاَ مُنْتَهَى ، وَاللَّهُ بْالْحَمْـدِ أَعْلَمُ ((مدارج السالكين لابن القيم (2/415) .))

الدليل الثالث :
إن الله سبحانه وتعالى عد من نقصه في قدرته ممن لم يقدره حق قدره ، وذلك في قوله تعالى : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }* (الزمر: 67)
قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية : ( وما قدر المشركون الله حق قدره، حين عبدوا معه غيره، وهو العظيم الذي لا أعظم منه، القادر على كل شيء، المالك لكل شيء، وكل شيء تحت قهره وقدرته. قال مجاهد: نزلت في قريش . وقال السدي : ما عظموه حق عظمته . وقال محمد بن كعب : لو قدروه حق قدره ما كذبوه . وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله تعالى عليهم، فمن آمن أن الله على كل شي قدير، فقد قدر الله حق قدره، ومن لم يؤمن بذلك فلم يقدر الله حق قدره ) ((تفسير ابن كثير (12/147) .)) .
قال الحافظ ابن تيمية : ( فمن نقصه في قدرته وخلقه ومشيئته فلم يقدره قدره ، ومن نقصه من حكمته ورحمته فلم يقدره حق قدره ) ((مجموع الفتاوى (6/130) .)) .
قال البيضاوي : ({ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } ما قدروا عظمته في أنفسهم حق تعظيمه حيث جعلوا له شركاء ووصفوه بما لا يليق به ) ((تفسير البيضاوي (5/22) .)) .
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }* (الحج: 73-74)
قال أبو السعود : ( { مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } أي ما عرفُوه حقَّ معرفتِه حيث أشركُوا به وسمَّوا باسمه ما هو أبعدُ الأشياءِ عنه مناسبةً { إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ } على خلق الممكناتِ بأسرها وإفناءِ الموجوداتِ عن آخرها { عَزِيزٌ } غالبٌ على جميع الأشياءِ وقد عرفتَ حالَ آلهتِهم المقهورةِ لأذلها العجزة عن أقلها ، والجملةُ تعليلٌ لما قبلها من نفيِ معرفتهم له تعالى ) ((تفسير أبي السعود (4/45) .)) .

الدليل الرابع :
إن الله سبحانه وتعالى عد عدم الإيمان بكمال علم الله عز وجل من سوء الظن به ، قال تعالى : { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ }* (فصلت: 19-23)
قال الإمام الجليل شمس الدين ابن قيم الجوزية : ( وقد جعل الله سبحانه منكر صفاته مسيء الظن به وتوعده بما لم يتوعد به غيره من أهل الشرك والكفر والكبائر ، فقال تعالى : { وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ }* (فصلت: 22-23) فأخبر سبحانه أن إنكارهم هذه الصفة من صفاته من سوء ظنهم به وأنه هو الذي أهلكهم ، وقد قال في الظانين به ظن السوء { عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } (الفتح: 6) ولم يجيء مثل هذا الوعيد في غير من ظن السوء به سبحانه وجحد صفاته ) ((مدارج السالكين لابن القيم (2/485-486) .)) .
قال الإمام ابن الجوزي : ( قال ابن عباس : كان الكفار يقولون : إن الله لا يَعلم ما في أنفُسنا ، ولكنه يعلم ما يَظهر ، { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ } أي : أن الله لا يَعلم ما تعملون ، { أَرْدَاكُمْ } أهلككم ) ((تفسير ابن الجوزي (7/251) .)) .
قال فخر الدين الرازي : ( قال تعالى : { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الذي ظَنَنتُم بِرَبّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مّنَ الخاسرين } وهذا نص صريح في أن من ظن بالله تعالى أنه يخرج شيء من المعلومات عن علمه فإنه يكون من الهالكين الخاسرين ) ((تفسير الرازي (27/118) .)) .
روى مسلم في صحيحه عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ : ( اجْتَمَعَ عِنْدَ الْبَيْتِ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ أَوْ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ ، قَلِيلٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ كَثِيرٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ أَتُرَوْنَ اللَّهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ ؟ وَقَالَ الآخَرُ يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا وَلاَ يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا ، وَقَالَ الآخَرُ إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا فَهُوَ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ } الآيَة ) ((صحيح مسلم ، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ، الطبعة السلطانية (8/121) ، طبعة المكنز (ص1436 ، رقم:7205) .)) .
أقول بحول الله تعالى : انظر هداك الله كيف سوَّى الصحابي الجليل عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه بينهم في قلة الفقه ، فالأول سأل عن علم الله جاهلاً ، والثاني شبه الله بالمخلوقين الذين يسمعون الجهر ولا يسمعون السر ، أما الثالث فكان أعقلهم ولكن لما كان شاكاً فيما يقوله سوى ابن مسعود رضي الله عنه - وهو من فقهاء الصحابة - بينهم في قلة الفقه ، فكلهم سواسية في الحكم أنهم ليسوا من أهل الإيمان ، فلا فرق في الحكم بالكفر بين من سأل عن كمال علم الله جاهلاً به ، وبين من شبه علم الله بعلم المخلوقين ، وبين من شك في كمال علم الله تعالى . والإيمان المطلوب هو الاعتقاد الجازم بأن الله سبحانه و تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وأنه سبحانه يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون .

الدليل الخامس :
إن عدم الإيمان بكمال صفات الله وعلوها وتمامها يقتضي تشبيه الله سبحانه وتعالى بالمخلوقين ، والشاهد على ذلك هو قول الله عز وجل عن الرجل الذي قال { مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } (يس: 78) فلقد وصفه الله سبحانه في أول الآية أنه شبه الله بخلقه حيث قال الله عز وجل عنه : { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً } (يس: 78) ، مع أن الرجل لم يسلب عن الله القدرة جملة وتفصيلاً بل كان يؤمن بأن الله خلقه ، ولكن لما لم يؤمن بكمال تلك الصفة أصبح وكأنه شبه رب العزة بخلقه ، لأن الخلق لهم قدرة والله تبارك وتعالى له قدرة أيضاً ، لكن قدرة الخلق ناقصة وقدرة الله كاملة تامة ، لذا فمن لم يؤمن بأن قدرة الله تامة كاملة فإنه إذاً يؤمن بأن قدرة الله تعالى ناقصة ومحدودة وبذلك يكون قد شبه الله بخلقه ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، وهكذا الأمر في جميع صفات الله عز وجل فإن الله له الكمال في جميع صفاته ومنزه عن صفات النقص ، ومنزه أن تكون صفاته ناقصة ، ومنزه أن تشبه صفاته صفات المخلوقين ، فسبحان الملك الحق ! { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } (الشورى: 11) لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } (الإخلاص: 4)

الدليل السادس :
إن الله سبحانه وتعالى عد نسبة نقصٍ مثل الولد إليه شتماً له ، فكل من نسب لله صفة لا تليق به سبحانه يعتبر أنه شاتم لله عز وجل .
عن أبي أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ : « قَالَ اللَّهُ : ( كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّاىَ فَقَوْلُهُ لَنْ يُعِيدَنِى كَمَا بَدَأَنِى ، وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَىَّ مِنْ إِعَادَتِهِ ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّاىَ فَقَوْلُهُ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ، وَأَنَا الأَحَدُ الصَّمَدُ لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِى كُفْأً أَحَدٌ ) » ((صحيح البخاري ، كتاب التفسير / باب سورة ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ( ، الطبعة السلطانية (6/180) ، طبعة المكنز (ص1388 ، حديث رقم 4974) .)) .
المقصود بالحديث ليس كل بني آدم بل من أنكر منهم البعث ((انظر إرشاد الساري للقسطلاني (7/439) ، فتح الباري لابن حجر العسقلاني (8/625) .)) ، وسبب التكذيب بالبعث قد يكون عناداً وقد يكون لإنكار القدرة عليه وهو الغالب على من يكذب بالبعث ، كما قال أحدهم : { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ }* (يس: 78) فلقد وصفه الله سبحانه وتعالى في أول الآية أنه إنما ضرب هذا المثل لله ونسي خلقه فردَّ الله سبحانه وتعالى عليه بقوله { قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ }* (يس:79) ، وهنا في هذا الحديث يرد الله عز وجل عليهم بأن بتذكيرهم بقدرته بالخلق الأول ، وأن من قدر على الخلق الأول الذي هو من العدم قدر على الخلق الثاني ، فإعادة الخلق ليس أشق ولا أصعب على الله تعالى من الخلق الأول ، بل الكل سواء يوجد بكلمة (كُنْ ) .
ومن ثم يرد الله عز وجل على صنف آخر من الناس ممن وصفوه بالنقص ، وهم الذين نسبوا له الولد ، فلقد وصف الله عز وجل هذا الوصف الشنيع بأنه شتم له .
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني : ( إنما سماه شتماً لما فيه من التنقيص ، لأن الولد إنما يكون عن والدة تحمله ثم تضعه ويستلزم ذلك سبق النكاح والناكح يستدعى باعثا له على ذلك والله سبحانه منزه عن جميع ذلك ) ((فتح الباري لابن حجر (8/18) .)) .
قال الإمام شمس الدين ابن قيم الجوزية : ( فمن نسب الولد لله فما عرف الرب تعالى ولا آمن به ولا عبده ) إلى أن قال: ( فكمال قدرته وكمال غناه وكمال ربوبيته يجعل نسبة الولد إليه ونسبته إليه تقدح في كمال ربوبيته وكمال غناه وكمال قدرته ، ولذلك كانت نسبة الولد إليه مسبة له تبارك وتعالى ) ((بدائع الفوائد (4/1575) .)) .
قال شهاب الدين القسطلاني : ( ولما كان البارئ سبحانه وتعالى واجب الوجود لذاته قديماً موجوداً قبل وجود الأشياء وكان كل مولود محدثاً انتفت عنه الوالدية ، ولما كان لا يشبهه أحد من خلقه ولا يجانسه حتى يكون له من جنسه صاحبة فيتوالد انتفت عنه الولدية ومن هذا قوله تعالى { أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ } (الأنعام: 101) ) ((إرشاد الساري إلى شرح صحيح البخاري (7/13) .)) .
فرد الله على ذلك أنه هو ( الأحد ) أي الذي ليس كمثله شيء في صفاته ، وأنه ( الصمد ) أي الغني عن كل ما سواه ، وكل شيء إليه محتاج ، وأنه له الكمال المطلق في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله ، وأنه ( لم يلد ولم يولد ) لأنه لا أول لوجوده ، وأنه (لم يكن له كفواً أحد ) أي لم يماثله أحد ولم يشاكله .
وهذان الاسمان وهما الأحد والصمد من أجمع الأسماء لصفات الله عز وجل ، كما أشار لذلك شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية في شرحه لسورة الإخلاص : ( و { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } اشتملت على التوحيد العلمي القولي نصاً وهي دالة على التوحيد العملي لزوماً ولهذا كان النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ بهما في ركعتي الفجر وركعتي الطواف وغير ذلك وقد ثبت أنه كان يقرأ أيضا في ركعتي الفجر بآية الإيمان التي في البقرة { قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ } (البقرة: 136) في الركعة الأولى وآية الإسلام التي في آل عمران { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }* (آل عمران: 64) .
و المقصود هنا أن صفات التنزيه يجمعها هذان المعنيان المذكوران في هذه السورة :
أحدهما : نفي النقائص عنه ، وذلك من لوازم إثبات صفات الكمال فمن ثبت له الكمال التام انتفى النقصان المضاد له والكمال من مدلول اسمه الصمد .
و الثاني : أنه ليس كمثله شيء في صفات الكمال الثابتة وهذا من مدلول اسمه الأحد فهذان الاسمان العظيمان الأحد الصمد يتضمنان تنزيهه عن كل نقص وعيب وتنزيهه في صفات الكمال أن لا يكون له مماثل في شيء منها واسمه الصمد يتضمن إثبات جميع صفات الكمال . فتضمن ذلك إثبات جميع صفات الكمال ونفي جميع صفات النقص ، فالسورة تضمنت كل ما يجب نفيه عن الله وتضمنت أيضا كل ما يجب إثباته من وجهين : من اسمه الصمد ، ومن جهة أن ما نفى عنه من الأصول والفروع والنظراء مستلزم ثبوت صفات الكمال أيضاً فإن كل ما يمدح به الرب من النفي فلابد أن يتضمن ثبوتاً بل وكذلك كل ما يمدح به شيء من الموجودات من النفي فلا بد أن يتضمن ثبوتاً وإلا فالنفي المحض معناه عدم محض والعدم المحض ليس بشيء فضلاً عن أن يكون صفة كمال .
وهذا كما يذكره سبحانه في آية الكرسي مثل قوله { اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } (البقرة: 255) ، فنفي أخذ السنة والنوم له مستلزم لكمال حياته و قيوميته ، فإن النوم ينافي القيومية و النوم أخو الموت ) ((مجموع الفتاوى (17/108-109) .)) .

الدليل السابع :
إن من وصف قدرة الله أو علمه أو أي صفة من صفات الله أو أفعاله بالنقص فهو إنما يصف ذات الله سبحانه وتعالى بالنقص ، فإن الصفة والفعل راجعان للذات ، فالذات التي لها الكمال تكون صفاتها وأفعالها كمال لا نقص فيها ، والذات الناقصة تكون صفاتها وأفعالها مشوبة بالنقص .
وقد يطلق الاسم أو الوصف ويشترك فيه الرب و المربوب ، كقولك : حي , فالله سبحانه حي ، وهو أمر معلوم بضرورة العقل حيث أن تدبير الكون واستمراريته لا تصدر إلا من فاعل والفاعل لا يكون إلا حياً ، وبالشرع ، كما في قوله تعالى { اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } (البقرة: 255) والمربوب حي . فكيف السبيل إلى التفريق بين الوصفين ؟ التفريق بينهما لن يحصل إلا بالتقييد فالخالق يتميز عن المخلوق بالكمال المطلق في الذات والأفعال والصفات حيث أن لكلاهما حياة ولكن حياة الله ليس لها نهاية ولا بداية فلا يقابلها موت لأنه سبحانه أول بلا ابتداء وآخر بلا انتهاء ، وحياة البشر لها بداية ونهاية ويقابلها موت فكانت نقصاً من هذا الوجه ، وبهذا التقييد للمخلوق استوجبت منه الافتقار إلى الخالق ، فصفة الخالق لائقة بذاته وصفة المخلوق مناسبة لعجزه وافتقاره وبين الصفة والصفة من المخالفة كمثل ما بين الذات والذات .
ثم إن خالق الخلق قد خلق قدراً من الكمال في مخلوقاته وهذا الكمال متفاوت بينهم إلا أن كمال أكملهم لابد وأن يكون ناقصاً قياساً على كمال الله سبحانه وهذا يشمل كل من الذات والصفات والأفعال ، فإنه سبحانه متفرد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله .
فصفات الكمال مثل القدرة والعلم والحكمة والتي يتصف بها الخالق تختلف عن صفات الكمال التي يتصف بها خلقه ، فالخالق سبحانه له الكمال المطلق الذي لا يشوبه نقص ، وليس هذا إلا لله وحده ، والخلق لهم الكمال المقيد أي الكمال الذي يشوبه النقص وتعتريه الآفات . وقد اجتمعت صفات النقص والكمال عند المخلوقين فكانت شفعاً من هذا الوجه وانفرد الله سبحانه بصفات الكمال دون النقص وحده فكانت وتراً ، وهو ما أشار إليه أبو بكر الورَّاق حيث قال :
( الشفع : تضادُّ أوصاف المخلوقين : العز والذل، والقدرة والعجز ، والقوَّة والضعف ، والعلم والجهل ، والحياة والموت ، والبصر والعَمَى ، والسمع والصَّمَم ، والكلام والخَرَس. والوتر: انفراد صفات الله تعالى: عِز بلا ذل ، وقدرة بلا عجز ، وقوَّة بلا ضعف ، وعلم بلا جهل ، وحياة بلا موت ، وبصر بلا عَمًى، وكلام بلا خَرَس ، وسمع بلا صَمَم ، وما وازاها ) ((تفسير القرطبي (21/260) . )) .
فكما أن الله سبحانه وتعالى متصف بصفات الكمال فهو أيضاً متصف بكمال هذه الصفات . بمعنى آخر فكما أن الله سبحانه وتعالى منزه عن صفات النقص فإنه كذلك منزه عن النقص في صفاته .
مثال ذلك أن الله متصف بالقدرة ، وهي صفة كمال ، والقدرات مراتب ، فمنها الناقص ومنها الكامل ، والله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير ، لأن الله سبحانه وتعالى متصف بالكمال ومنزه عن النقص في كل صفاته ، فهو القدير سبحانه المتصف بكمال القدرة ومنزه أن تكون قدرته ناقصة أو أن يستثنى منها شيء ولو في جزئية . فمن لم يؤمن بقدرة الله ولو في جزئية ما ، لا يكون مؤمنًا بقدرة الله تعالى الحقيقية إذ أن قدرة الله عامة تامة كاملة ، فمن أخرج شيئًا من هذا العموم يكون قد نسب لله النقص في صفة من صفاته ولو كان جاهلاً أو متأولاً . بل من لم يؤمن بكمال قدرة الله عز وجل لا يسمى أنه آمن بأن الله قادر إذ الإيمان بأن الله قادر معناه الإيمان بأن الله على كل شيء قدير .
ومثال آخر وهو أن الله متصف بالعلم ، وهي صفة كمال ، والعلم درجات ومراتب منه القليل والناقص ومنه الكامل ، والله سبحانه وتعالى بكل شيء عليم ، لأن الله سبحانه وتعالى متصف بالكمال ومنزه عن النقص في كل صفاته ، فهو العليم سبحانه المتصف بكمال العلم ، فعلمه يشمل ما نظهره وما نكتمه ، وما كان ، وما يكون ، وما سنفعله ، فهو سبحانه منزه أن يكون علمه ناقصاً أو أن يستثنى منه شيء ولو في جزئية . فمن لم يؤمن بأن الله يعلم السر وأخفى ، أو لم يؤمن بأن الله يعلم ما سيفعله الإنسان ، أو أخرج من عموم علم الله شيئاً معيناً فهذا لا يسمى أنه آمن بكمال علم الله عز وجل ، ويكون بذلك نسب لله النقص في صفة من صفاته ولو كان جاهلاً أو متأولاً . بل من لم يؤمن بكمال علم الله عز وجل لا يسمى أنه آمن بأن الله عليم إذ الإيمان بأن الله عليم معناه الإيمان بأن الله بكل شيء عليم ، وقس على هذا باقي صفاته سبحانه وتعالى .
فالحذار الحذار من إغضاب رب الأرض والسماوات بنسبة ما لا يليق به سبحانه و البِدار البدار إلى تنزيهه والثناء عليه سبحانه وتعالى فإنه يفرح بثناء العبد عليه ويرضى به ويحبه ، ورحم الله الإمام ابن القيم حين قال :
( إنه سبحانه كما يبغض هذا الإفك والباطل الذي قاله فيه أعداؤه ويشتد غضبه منه ويؤذيه ذلك إذ لا ينقصه ((أي لا ينقصه سبحانه وتعالى ما يقوله فيه أعداؤه .)) كما أخبر به عن نفسه بقوله { يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ } ((جزء من حديث قدسي رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الألفاظ من الأدب / باب النهي عن سب الدهر ، ط. المكنز (ص 1185 ، حديث رقم 6000) ، الطبعة السلطانية (7/45) ، ولا يعني هذا الأذى هنا تضرر الله سبحانه وتعالى من ذلك ، فهو منزه عن أن يضره أحد سبحانه وتعالى ، ولقد أخبر الله عز وجل بعقاب من يؤذيه أو رسوله فقال عز من قائل : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (( (الأحزاب: 57))) فهو سبحانه يفرح بثناء المثني عليه بأوصاف كماله ونعوت جلاله أعظم فرح ويرضى به ويحبه ، وإذا كان يفرح بتوبة التائب أعظم فرح يقدر فكيف فرحه سبحانه بالثناء عليه وحمده ومدحه وتمجيده بما يصفه به أعداؤه مما لا يليق بكماله مما يتضمن فرحه ومحبته ورضاه أعظم من ذلك ، فإن محبته تغلب غضبه وفضله أوسع من عدله ، وهو سبحانه كما أنه موصوف بكل كمال فهو منزه عن كل نقص وعيب فكما أنه موصوف في أفعاله بكل حمد وحكمة وغاية محمودة فهو منزه فيها عن كل عيب وظلم وقبيح وبهذا استحق أن يكون محموداً على كل حال وأن يكون محموداً على المكاره كما هو محمود على المحاب ) ((الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (4/1495) .)) .
---------------------------------=
منقول من كتاب ( منجدة الغارقين ومذكرة الموحدين بصفات الله سبحانه وتعالى التي هي من أصل الدين ) للأخ المهتدي بالله الإبراهيمي حفظه الله .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الأدلة على أن الإيمان بكمال صفات الله عز وجل هو من أصل التوحيد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى التوحيد الخالص :: منتديات الحوار في مسائل العقيدة :: توحيد الربوبية والأسماء والصفات-
انتقل الى: