السلام عليكم:ماهو مناط تكفير المحلل لما حرم الله ؟أهو رده لامر الله في الحرمة ؟ أم بتشرعيه لنفسه واتخاذ لنفسه الها"؟أم بقبوله لتشريع غيره وتحليله؟بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد : 1- قد يكون سبب تكفيره لاجل رده لامر الله سبحانه و تعالى في الحرمة قال تعالى : {ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }البقرة85قال الواحدي في الوجيز 1/116 : { وهو محرم عليكم إخراجهم } أي : وإخراجهم عن ديارهم محرم عليكم { أفتؤمنون ببعض الكتاب } يعني : فداء الأسير { وتكفرون ببعض } يعني : القتل والإخراج والمظاهرة على وجه الإباحة ؟ قال السدي : أحذ الله تعالى عليهم أربعة عهود : ترك القتل وترك الإخراج وترك المظاهرة وفداء أسرائهم فأعرضوا عن كل ما أمروا به إلا الفداء . اهـقال الالوسي : وروى محيي السنة عن السدي أن الله تعالى أخذ على بني إسرائيل في التوراة أن لا يقتل بعضهم بعضا ولايخرج بعضهم بعضا من ديارهم وأيما عبد أو أمة وجدتموه من بني إسرائيل فأشتروه بما قام من ثمنه فأعتقوه ولعل كفرهم بما أرتكبوا لإعتقادهم عدم الحرمة مع دلالة صريح التوراة عليها لكن ما في الكشاف من أنه قيل لهمك كيف تقاتلونهم ثم تفدوهم ! فقالوا : أمرنا بالفداء وحرم علينا القتال لكنا نستحي من حلفاتنا يدل على أنهم لا ينكرون حرمة القتال . اهـ روح المعاني 1/313 و قال الطاهر بن عاشور : وللإنذار بأن تعمد المخالفة للكتاب قد تفضي بصاحبها إلى الكفر به وإنما وقع ( تؤمنون ) في حيز الإنكار تنبيها على أن الجمع بين الأمرين عجيب وهو مؤذن بأنهم كادوا أن يجحدوا تحريم إخراجهم أو لعلهم جحدوا ذلك وجحد ما هو قطعي من الدين مروق من الدين . اهـ التحرير و التنوير 1/339 رغم دخول الاحتمالات في تفسير الاية فانه لا خلاف في كفر من رد حكما على وجه تحليل الحرام اوتحريم الحلال . وقال سبحانه :{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }البقرة285{ لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير } فانه لما أنزل هذا على النبي صلى الله عليه وسلم اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا : أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق : الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وقد أنزل الله عليك هذه الآية ولا نطيقها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فقالوا : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير . فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم فأنزل الله في إثرها:{آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير} أخرجه مسلم عن ابي هريرة . اهـ
و فيه ان المسلم يجب عليه ان يتلقى كل احكام الله جل و علا –الواجب و المستحب و المحرم و المكروه و المباح- بالقبول فلا يرد شيئ منها و المستحل لما حرم الله يعتبر راد له في هذه الحالة .
2- و قد يكون سبب تكفيره لاجل تشريعه لنفسه و اتخاذه هواه الاها من دون الله عز وجل قال تعالى :{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً}الفرقان43
قال ابن كثير 3/426 : { أرأيت من اتخذ إلهه هواه } أي مهما استحسن من شيء ورآه حسنا في هوى نفسه كان دينه ومذهبه . اهـ
و قال سبحانه : {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ }الجاثية23
قال ابن كثير 4/191 : ثم قال جل وعلا : { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه } أي إنما يأتمر بهواه فما رآه حسنا فعله وما رآه قبيحا تركه . اهـ
قال القرطبي 16/144 : قال ابن عباس و الحسن و قتادة : ذلك الكافر اتخذ دينه ما يهواه فلا يهوى شيئا إلا ركبه وقال عكرمة : أفرأيت من جعل إلهه الذي يعبده ما يهواه أو يستحسنه فإذا استحسن شيئا وهويه اتخذه إلها . اهـ
قال الشوكاني في فتح القدير 4/112 : فقال معجبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم 43 - { أرأيت من اتخذ إلهه هواه } قدم المفعول الثاني للعناية كما تقول علمت منطلقا زيدا : أي أطاع هواه طاعة كطاعة الإله : أي انظر إليه يا محمد وتعجب منه قال الحسن : معنى الآية لا يهوى شيئا إلا اتبعه . اهـ
ففي الايتين اشارة الى ان المستحل لما حرم الله او المحرم لما احل الله اتباعا للهوى و الشهوة يعتبر عابدا لهواه في ذلك بصرف النظر عن نوع و كم التحليل و التحريم .
3-و قد يكون سبب تكفيره لاجل قبوله تشريع غيره و تحليله ما حرم الله عليه قال تعالى:{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }التوبة31
قال الطبري 14/209 : (أربابا من دون الله)، يعني: سادةً لهم من دون الله، يطيعونهم في معاصي الله، فيحلون ما أحلُّوه لهم مما قد حرَّمه الله عليهم، ويحرِّمون ما يحرِّمونه عليهم مما قد أحلَّه الله لهم ... حدثني سعيد بن عمرو السكوني قال: حدثنا بقية، عن قيس بن الربيع، عن عبد السلام بن حرب النهدي، عن غضيف، عن مصعب بن سعد، عن عدي بن حاتم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ "سورة براءة"، فلما قرأ:(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله)، قلت: يا رسول الله، إما إنهم لم يكونوا يصلون لهم! قال: صدقت، ولكن كانوا يُحلُّون لهم ما حرَّم الله فيستحلُّونه، ويحرّمون ما أحلّ الله لهم فيحرِّمونه. حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي البختري، عن حذيفة: أنه سئل عن قوله:(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله)، أكانوا يعبدونهم؟ قال: لا كانوا إذا أحلُّوا لهم شيئًا استحلوه، وإذا حرَّموا عليهم شيئًا حرَّموه.حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن حبيب، عن أبي البختري قال: قيل لأبي حذيفة، فذكر نحوه = غير أنه قال: ولكن كانوا يحلُّون لهم الحرام فيستحلُّونه، ويحرِّمون عليهم الحلال فيحرِّمونه . اهـو قال سبحانه :{وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ }الأنعام121
قال الطبري 12/87 : وأما قوله:(إنكم لمشركون)، يعني: إنكم إذًا مثلهم، إذ كان هؤلاء يأكلون الميتة استحلالا. فإذا أنتم أكلتموها كذلك، فقد صرتم مثلهم مشركين . اهـ
قال القرطبي 7/77 : الخامسة - قوله تعالى: (وإن أطعتموهم) أي في تحليل الميتة (إنكم لمشركون) فدلت الآية على أن من استحل شيئا مما حرم الله تعالى صار به مشركا.وقد حرم الله سبحانه المية نصا، فإذا قبل تحليلها من غيره فقد أشرك.قال ابن العربي: إنما يكون المؤمن بطاعة المشرك مشركا إذا أطاعه في الاعتقاد، فأما إذا أطاعه في الفعل وعقده سليم مستمر على التوحيد والتصديق فهو عاص، فافهموه . اهـو لا ادل من هاتين الايتين على تكفير من اطاع مشرعا او غيره في التحليل و التحريم , و هذه الاسباب الثلاثة الموجبة للتكفير قد تجتمع مع بعضها البعض كما قد تاتي كل واحدة على انفراد