"ترتيب المدارك وتقريب المسالك".للقاضي عياضأبو محمد عبد الله بن إسحاق، رحمه اللهلمعروف بابن التبّان، الفقيه، الإمام. كان من العلماء الراسخين، والفقهاء المبرزين. ضربت له أكباد الإبل من الأمصار، لعلمه بالذب عن مذهب أهل الحجاز ومصر، ومذهب مالك. وكان من أحفظ الناس بالقرآن والتفنن في علومه، والكلام على أصول التوحيد، مع فصاحة اللسان. وكان مستجاب الدعاء، رقيق القلب غزير الدمعة. وكان من الحفاظ. وكان يميل الى الرقة، وحكايات الصالحين، عالماً بالفقه والنحو والحساب والنجوم. وذكره أبو الحسن القابسي بعد موته، فقال: رحمك الله يا أبا محمد، فلقد كنت تغار على المذهب، وتذب على الشريعة. وكان رحمه الله من أشد الناس عداوة لبني عبيد. كريم الأخلاق، حلو المنظر، وقرأت في تعليق أبي عمران الفقيه، فذكره فقال: كان فصيح اللسان حافظاً للقرآن، بعيداً من الرياء والتصنع. وقال أبو إسحاق الكاتب مثله. قال: وكان عالماً بالاحتجاج لمذهبه. فقال بعضهم: كان أبو محمد من أرق أهل زمانه طبعاً، وأحلاهم إشارة، وألطفهم عبارة. سمع منه أبو القاسم التستري. ومحمد بن ادريس بن الناظور، وأبو محمد بن يوسف الحجي. وأبو عبد الله الخرّاط وابن اللبيدي. رحمهم الله.ذكر أخباره مع بني عبيد وحسن مقامه في الدينان أبو محمد شديد التنقيض لهم والتنير عنهم. قال بعض أصحابه: كنت معه يوماً بالمنستير، وكان يوم عاشوراً. فلما رأى بكى. فقيل له ما يبكيك؟ فقال والله ما أخشى عليهم من الذنوب، لأن مولاهم كريم، وإنما أخشى أن يشكّوا في كفر بني عبيد، فيدخلوا النار.أبو بكر اسماعيل بن إسحاق بن عذرة الأيدي
فقيه فاضل زاهد قيرواني. من أصحاب أبي محمد ابن أبي زيد، وطبقته. ورحل الى المشرق فلقي ابن مجاهد الطائي المتكلم، وأخذ عنه. وأبا بكر الأبهري، وأبا بكر محمد بن أحمد البغدادي. وسمع غيرهم. وكان الغالب عليه الزهد والعبادة. وقد سمع منه الناس، روى عنه حاتم الطرابلسي، وأبو مروان الطلبني، وأثنى عليه ابن أبي زيد في شيبته، في كتابه منه، الى من سأل ابن عذرة عن خطباء بني عبيد. وقيل له: إنهم يثنون عليهم. قال: أليس يقولون: اللهم صل على عبدك الحاكم، وورّثه الأرض؟ قالوا: نعم. قال أرأيتم لو أن خطيباً خطب فأثنى على الله تعالى ورسوله، فأحسن الثناء، ثم قال: أبو جهل في الجنة، أيكون كافراً؟ قالوا: نعم. قال: فالحاكم أشر من أبي جهل. وسئل الداودي عن المسألة فقال: خطيبهم الذي يخطب لهم، يدعو يوم الجمعة. كافر يقتل. ولا يستتاب، وتحرم عليه زوجته، ولا يرث ولا يورث ماله في المسلمين. وتعتق أمهات أولاده، ويكون مدبروه للمسلمين. يعتق أثلاثهم، بموته، لأنه لم يبق له مال. ويؤدى مكاتبوه للمسلمين ويعتقون بالأداء، ويرجعون بالعجز، وأحكامه كلها، أحكام الكفر. فإن تاب قبل أن ظهر الندم، ولم يكن أخذ دعوة القوم، قبلت توبته. ومن صلى وراءه، خوفاً، أعاد ظهراً أربعاً. ثم لا يقيم إذا أمكنه الخروج، ولا عذر له بكثرة عيال ولا غيره.جاء في فصل ذكر أبو إسحاق التونسي
مايلي
وكان رأي الفقهاء، سد هذا الباب للعامة على هذه الكفرة. وأن بني عبيد زنادقة، وأنّ الداخل في دعوتهم، وإن لم يقل بقولهم، كافر لتوليه الكفرة.لذا قال العلامة محمد بن عبد الوهاب في كشف الشبهاتويقال - أيضا - : بنو عبيد القداح الذين ملكوا المغرب ومصر في زمان بني العباس كلهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويدعون الإسلام ويصلون الجمعة والجماعة فلما أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه أجمع العلماء على كفرهم وقتالهم وأن بلادهم بلاد حرب وغزاهم المسلمون حتى استنفذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين
وقال في مختصر سيرة الرسول
الدليل السادس
قصة بني عبيد القداح
فإنهم ظهروا على رأس المائة الثالثة. فادعى عبيد الله أنه من آل علي بن أبي طالب من ذرية فاطمة، وتزيا بزي أهل الطاعة والجهاد في سبيل الله. فتبعه أقوام من البربر من أهل المغرب. وصار له دولة كبيرة في المغرب ولأولاده من بعده. ثم ملكوا مصر والشام ، وأظهروا شرائع الإسلام وإقامة الجمعة والجماعة. ونصبوا القضاة والمفتين. لكن أظهروا الشرك ومخالفة الشريعة، وظهر منهم ما يدل على نفاقهم وشدة كفرهم. فأجمع أهل العلم: أنهم كفار، وأن دارهم دار حرب، مع إظهارهم شعائر الإسلام.
وفي مصر من العلماء والعباد أناس كثير، وأكثر أهل مصر لم يدخل معهم فيما أحدثوا من الكفر. ومع ذلك أجمع العلماء على ما ذكرناه، حتى إن بعض أكابر أهل العلم المعروفين بالصلاح قال لو أن معي عشرة أسهم لرميت بواحد منها النصارى المحاربين. ورميت بالتسعة بني عبيد .
ولما كان زمان السلطان محمود بن زَنْكي أرسل إليهم جيشا عظيما بقيادة صلاح الدين . فأخذوا مصر من أيديهم. ولم يتركوا جهادهم بمصر لأجل من فيها من الصالحين.
فلما فتحها السلطان محمود فرح المسلمون بذلك أشد الفرح. وصنف ابن الجوزي في ذلك كتابا سماه " النصر على مصر ".
وأكثر علماء التصنيف والكلام في كفرهم مع ما ذكرنا من إظهارهم شرائع الإسلام الظاهرة.
فانظر ما بين هذا وبين ديننا الأول : أن البدو إسلام، مع معرفتنا بما هم عليه من البراءة من الإسلام كله، إلا قول " لا إله إلا الله " ولا تظن أن أحدا منهم لا يكفر إلا إن انتقل يهوديا أو نصرانيا.
فإن آمنت بما ذكر الله ورسوله، وبما أجمع عليه العلماء، وتبرأت من دين آبائك في هذه المسألة، وقلت: آمنت بالله وبما أنزل الله، وتبرأت مما خالفه باطنا وظاهرا، مخلصا لله الدين في ذلك. وعلم الله ذلك من قلبك، فأبشر. ولكن اسأل الله التثبيت. واعرف أنه مقلب القلوب.