تابع الكلمات الغنية في الرد على التحفة السنية
وهذا قول في التبيان : فإن كان دين أباءهم الشرك بالله , فنشأ هؤلاء واستمروا عليه , فلا نقول الأصل الإسلام والكفر طاريء , بل نقول : هم الكفار الأصليون
أقول : " أنصفت وصدقت في قولك هذا ورب الكعبة " فما قولك هنا يا ترى ؟!
وها أنت مرة تلوى الأخرى تأتي لنا بنقولات تخالف ما أتيت به هنا في التبيان : وأما إن كان كما قال الشيخ أبا بطين في جوابه لمن سأله عن قول الصنعاني : (فصاروا كفاراً كفراً أصلياً) يعني أنهم نشأوا على ذلك فليس حكمهم كالمرتدين الذين كانوا مسلمين ثم صدر منهم شرك أكبر فالإنكار غير متوجه والله أعلم .
وقد سُئل الشيخ حمد بن ناصر آل معمر : (عن قول الفقهاء إن المرتد لا يرث ولا يورث) , فكفار زماننا هل هم مرتدون ؟ أم حكمهم حكم عبدة الأوثان , وأنهم مشركون ؟
فأجاب : (أما من دخل في دين الإسلام ثم ارتد , فهؤلاء مرتدون , وأمرهم عندك واضح , وأما من لم يدخل في دين الإسلام , بل أدركته الدعوة الإسلامية , وهو على كفره , كعبدة الأوثان , فحكمه حكم الكافر الأصلي , لأنّا لا نقول الأصل إسلامهم , والكفر طاريء عليهم بل نقول : الذين نشؤوا بين الكفار , وأدركوا آباءهم على الشرك بالله , هم كآباءهم , كما دل عليه الحديث الصحيح في قوله : " فأبواه يهودانه , أو ينصرانه , أو يمجسانه" .
فإن كان دين آباءهم الشرك بالله , فنشأ هؤلاء واستمروا عليه , فلا نقول الأصل الإسلام والكفر طاريء , بل نقول : هم الكفار الأصليون !!!
وهنا سوف أورد لك سؤالاً : لو سمح الله أن مسلم تنصر أو تهود فماذا يكونوا أبناءه من بعده هل سيكونون مرتدين أم يكونوا نصارى أو يهود ؟
وكذلك المسلم لو سمح الله ارتد هل سيكونوا أولاده وأجياله وأحفاده من بعده مرتدين أم سيكونون كفاراً أصليين ؟!
وفي كلام في بحثك [التبيان لما وقع في الضوابط منسوباً لأهل السنة بلا برهان] في ردك على القرني حيث قلت : (فالجواب) : هذا أيضاً من العجائب التي أتى بها المؤلف حيث جعل كفر التكذيب لا يكون إلا مقترناً بالعلم مطلقاً ثم أدخل فيه الكافر الأصلي المنتسب للإسلام وغيره .
وهنا كلامك ليس فيه غموض ولا لبس ولا غبش وواضح وضوح الشمس في رابعة النهار وجعلت من هو منتسب للإسلام كافر كفراً أصيلاً فما قولك في هذا يا ترى ؟؟!!!
وأنت تعرف أن المرتد هو من كفر بعد إسلامه ... فأنا أريد جواباً هل أبناءه من بعده سيكونون مرتدين أم كفار أصليين مع أنهم لم يدخلوا في دين الله طرفة عين من عند ولادتهم حتى بلغوهم ؟!
عفواً أنت في نظرك وفي نظر من هو على نفس هذا المنوال أو من هو على نفس هذا الفهم أن العرب والمسلمون لا يصيرون كفاراً أصليين أبداً ، حتى ولو ارتدوا وماتوا وأجيالهم وأحفادهم من بعدهم لو ولدوا ونشأوا وترعرعوا على الكفر واستمروا عليه على هذا الحال أليس كذلك ؟؟؟!!!
لماذا حكمت على طواغيت النصارى أنهم كفار أصليين ؟ وهم في الزمان الماضي كان على دين عيسى عليه السلام ؟
ولماذا لا تحكم عليهم بأنهم مرتدون كذلك وليسوا كفار أصليين ؟!
وكذلك حكمت على الطواغيت من اليهود بأنهم كفار أصليين مع أنهم في ما مضى كانوا على دين موسى عليه السلام ؟ لماذا لم تحكم عليهم بأنهم مرتدون كذلك كما حكمت على طواغيت العرب ؟!
وماذا تقول في كفار قريش هل هم كفار أصليين أم أنهم مرتدون ؟! مع أنهم كانوا في ما مضى على ملة إبراهيم عليه السلام !! فهنا لابد أن تناقض نفسك لأنك تعلم علم اليقين ما كانوا عليه من دين ، وتعلم ما قال فيهم زيد بن عمرو بن نفيل ... ونأتي لك الآن بما قال في السيرة حتى تتضح لك المسألة .. نا أحمد : نا يونس عن ابن اسحق قال : حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت : لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل مسنداً ظهره إلى الكعبة يقول : يا معشر قريش والذي نفس زيد بيده ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري ، ثم يقول : اللهم لو أني أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به ، ولكني لا أعلمه ، ثم يسجد على راحته . وكلام زيد بن عمرو بن نفيل إن دل إنما يدل على أن قريش كانوا على ملة إبراهيم والأمر الذي يُذهل ويحير أنك جعلت من ينتسب إلى الإسلام مرتد وهذا شيء عجيب يصدر منك وأنت على مستوى رفيع من العلم كما قراءة عنك !!! ، وأنت تعلم يقيناً أن المرتد هو من كان مسلماً ثم ترك الإسلام إلى غيره من الملل الكافرة !!!
قال : فالقسم الأول :- وهم الطواغيت من الكفار الأصليين الذين لا ينتسبون لملة الإسلام فهؤلاء من لم يكفرهم أو شك في كفرهم وتردد أو توقف في تكفيرهم فهو كافر وهذا هو الناقض الثالث من نواقض الإسلام العشرة المجمع عليها بين أهل القبلة .
أقول : سبحان الله وبحمده أنت هنا تزيد وتقرر أن طواغيت الكفار الذين لا ينتسبون إلى الإسلام هم الكفار الأصليين لأنهم لم ينتسبوا إلى الإسلام .
وهل الكافر إذا انتسب إلى الإسلام ولم يدخل فيه يصير مرتداً أم يبقى على ما هو عليه من دين ؟!
وهل عندك طواغيت الشيعة مثل الخميني وغيره ممن ينتسبون إلى الإسلام أنهم مرتدون كذلك وليسوا كفار أصليين مع أنك تعرف ما يعتقدون منذ ولادتهم وحتى هذه اللحظة ؟!
والآن نأتي لك بقول الإمام ابن تيمية في من ينتسبون للإسلام وماذا قال فيهم قال الإمام ابن تيمية رحمه الله فى الفتاوى الكبرى ج 4 : [ أما المرتدون عن الشرائع من التتار فهم فئة غير الفئتين ، وإنما هم كمانعي الزكاة رداً لأمر الله ، وإباء من قبول الشرائع وامتناعاً عن التسليم ، فهؤلاء لم يكن لهم حال بعد تلفظهم بالشهادتين قبلوا فيها حكم الله بل هم على شرع أباءهم منذ تلفظهم فلذلك عدهم كفاراً أصليين .
أنظر رحمك الله كيف حكم عليهم ابن تيمية بأنهم كفار أصليين مع انتسابهم للإسلام وتلفظهم بالشهادتين وإتيانهم ببعض الشعائر التعبدية من صلاة وصيام وغير ذلك .
وهذا هو حال العرب الآن كافة وطواغيتهم إلا من رحم الله لا يعرفون من الإسلام سوى تلفظهم بلا إله إلا الله محمد رسول الله وقيامهم بالشعائر من صلاة وزكاة وحج وصيام ..... إلخ فهل هؤلاء مرتدون ؟
بينما أنت تجعل الطواغيت من كفار العرب هم مرتدون بمجرد انتسابهم للإسلام أليس أنك تكيل بمكيالين وتناقض نفسك ، لأنك تقرر أنهم كفار ونشأوا على الكفر واستمروا عليه وتقول مرتدون أيعقل هذا ؟؟!! ولكن صدق الله عز وجل حين قال :
{ أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِي الزُّبُرِ } ؟! والله إن هذا الأمر لشيء عجيب !!!
وقال أتياً : بفتوى للجنة الدائمة : لا يجوز لطائفة الموحدين الذين يعتقدون كفر عباد القبور أن يكفروا إخوانهم الموحدين الذين توقفوا في كفرهم حتى تقوم عليهم الحجة لأن توقفهم عن تكفيرهم له شبهة وهي اعتقاد أنه لابد من إقامة الحجة على أولئك القبوريين قبل تكفيرهم بخلاف من لا شبهة في كفره كاليهود والنصارى والشيوعيين وأشباههم فهؤلاء لا شبهة في كفرهم ولا في كفر من لم يكفرهم " . [2/ 99] .
أقول : وكيف يتوقف موحد في أمر معلوم من الدين بالضرورة بل حتى اليهود والنصارى يعلمونه ولا يتوقفون فيه ولا يجهلونه ويكفرون من قام به ويعيبون على من يفعله ، وهل التوقف والتعريف يكون في الأمور الواضحات أم في الأمور الخفية ؟!
وما هي الشبهة في عبادة القبور ؟ ليس هناك شبهة إلا أنهم يقولون لا إله إلا الله ويصلون ويصمون ... إلخ ويأتون ببعض الشعائر وأنهم عرب فقط لا غير !! ويلزم من قال هذا القول بإقامة الحجة عليهم بإقامة الحجة كذلك على اليهود والنصارى .
والآن أترك الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل شيخ رحمه الله تعالى يرد على هذه الشبهة .. يقول في رسالته تكفير المعين : -
وهكذا تجد الجواب من أئمة الدين في ذلك الأصل عند تكفير من أشرك بالله فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل ، لا يذكرون التعريف في مسائل الأصول إنما يذكرون التعريف في المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض المسلمين كمسائل نازع بها بعض أهل البدع كالقدرية والمرجئة أو في مسألة خفية كالصرف والعطف ، وكيف يعرفون عباد القبور وهم ليسوا بمسلمين ولا يدخلون في مسمى الإسلام ، وهل يبقى مع الشرك عمل والله تعالى يقول : { لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط } { ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق } {إن الله لا يغفر أن يشرك به } { ومن يشرك بالله فقد حبط عمله } إلى غير ذلك من الآيات ، ولكن هذا المعتقد يلزم منه معتقد قبيح
وهو أن الحجة لم تقم على هذه الأمة بالرسول والقرآن نعوذ بالله من سوء الفهم الذي أوجب لهم نسيان الكتاب ، بل أهل الفترة الذين لم تبلغهم الرسالة والقرآن وماتوا على الجاهلية لا يسمون مسلمين بالإجماع ولا يستغفر لهم ، وإنما اختلف أهل العلم في تعذيبهم في الآخرة .
وهذه الشبة التي ذكرنا قد وقع مثلها أو دونها لأناس في زمن الشيخ محمد ـ رحمه الله ـ ، ولكن من وقعت له يراها شبهة ويطلب كشفها ، وأما من ذكرنا فإنهم يجعلونها أصلاً ويحكمون على عامة المشركين بالتعريف ويجهلون من خالفهم ، فلا يوفقون للصواب لأن لهم في ذلك هوى وهو مخالطة المشركين ، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا الله أكبر ما أكثر المنحرفين وهم لا يشعرون ونحن ذكرنا هذه المقدمـة لتكون أدعى لفهم ما سيأتي من الحجج على هذه المسألة .
الله أعلم أن المفهوم الخاطيء والذي يجب على كل إنسان أن يزيحه من رأسه ومن خلده ومن خياله أيضاً وينسفه نسفا ألا وهو النعرة العربية لأن هذا الأمر هو الواقع تجدهم يحكمون على كل من هو عربي بالإسلام بمجرد سماعه أنه نطق بلا إله إلا الله ولو كان شيعياً أو بعثياًَ أو درزياً أو اشتراكياً أو شيوعياً وهلم جرا المهم أنه عربي ، ولكن الحق الذي يجب إدراكه هو أن ليس كل عربي هو مسلم بل لابد أن يعي ويعلم أن كل من حقق التوحيد وعرفه حق المعرفة وطبقه على أرض الواقع فهو المسلم سواء كان عربياً أو كان أمريكياً أسمراً أو أحمراً أو من أي جنسية كانت ، فهذا والله أعلم هو السبب الأكبر الذي عليه أغلب من ينتسبون للإسلام ويحسبون أنهم مسلمون بل حتى الذين ينتسبون إلى أهل العلم ويعدونهم من العلماء الذين يشار إليهم بالبنان والله المستعان على أمر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
ونختم كلامنا بكلام نفيس لابن القيم يقول في كتابه أعلام الموقعين ج/87 :
صحة الفهم وحسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده بل ما أعطي عبد عطاء بعد الإسلام أفضل ولا أجل منهما بل هما ساقا الإسلام وقيامه عليهما وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم وطريق الضالين الذين فسدت فهومهم ويصير من المنعم عليهم الذين حسنت أفهامهم وقصودهم وهم أهل الصراط المستقيم الذين أمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد يميز به بين الصحيح والفاسد والحق والباطل والهدى والضلال والغي والرشاد ويمده حسن القصد وتحري الحق وتقوى الرب في السر والعلانية ويقطع مادته إتباع الهوى وإيثار الدنيا وطلب محمدة الخلق وترك التقوى .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية كذلك : في آخر الحموية قال :
أتوا الزكاة ، وما أتوا زكاء ، وأتوا علوماً ، وما أتوا فهوماً ، وأتوا سمعاً ، وأبصاراً ، وأفئدة : {فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذا كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون} [الأحقاف:26]
تم هذا الرد بفضل الله ومنه والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات
نسأل الله باسمه الأعظم ورضوانه الأكبر أن يرزقنا علماً نافعاً وفهماً صحيحاً وقصداً حسناً وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه فإنه نعم المولى ونعم النصير وبالإجابة جدير .
اللهم يا مولى الإسلام وأهله ثبتنا على الإسلام وأن نلقاك به اللهم إنا نسألك إنابة لا رجعة فيها يا مصلح الصالحين ويا هادي الضالين ويا راحم المذنبين .