ملاحظة :
قد يقول قائل أن العلماء اختلفوا حتى في المرتد فلا عبرة بدعوى الإجماع على حرمة ذبيحته نقول له أن سبب اختلافهم محصور في ارتداد المسلم إلى دين من تحل ذبيحته كأهل الكتاب و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن علة تحريم ذبيحة المرتد تتعلق بانتفاء شرط الأهلية لهذا نظروا في نوع الديانة التي ارتد إليها و عليه يجب على كل من نصح نفسه أن يجمع أقوال أهل العلم كل أقوالهم ثم يفهم مرادهم و يبحث عن حقيقة اختلافهم و سببه عندها سيصل إلى حل هذا الإشكال الشكلي فتنبه و هاك بعض أقوالهم :
ذكر ابن حزم في المحلى ج11ص138 :
فإن ادعوا أن المرتد لا تقبل منه جزية ولا تؤكل ذبيحته ولا يسترق إجماعا دل ذلك على جهل من ادعى ذلك أو كذبه فقد صح عن بعض السلف أخذ الجزية منهم وعن بعض الفقهاء أكل ذبيحته إن ارتد إلى دين صابئ . اه
فهاهو ابن حزم رحمه الله يعلل سبب اختلاف الفقهاء في حل أو حرمة أكل ذبيحة المرتد
جاء في المدونة 1<636. : وأما المرتد فإن الجمهور على أن ذبيحته لا تؤكل . وقال إسحاق : ذبيحته جائزة وقال الثوري : مكروهة . وسبب الخلاف هل المرتد لا يتناوله اسم أهل الكتاب إذ كان ليس له حرمة أهل الكتاب أو يتناوله ؟. اه
و جاء في حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني 4<391 :
[ قَوْلُهُ : عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ ارْتَدَّ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ ] أَيْ أَنَّ مَنْ ارْتَدَّ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ هَلْ يُقَرُّ أَوْ لَا الرَّاجِحُ أَنَّهُ يُقَرُّ وَمُقَابِلُهُ لَا فَعَلَيْهِ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَيُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْمَذْهَبِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ .
و نقل ابن القيم في كتابه اجتماع الجيوش الإسلامية 1/131
قال الخلال وأخبرنا الخضر بن المثنى الكندي قال حدثنا عبد الله ابن أحمد قال : قال أبي لا بأس بأكل ذبيحة المرتد إذا كان ارتداده إلى يهودية أو نصرانية ولم يكن إلى مجوسية قلت والمشهور في مذهبه خلاف هذه الرواية وأن ذبيحة المرتد حرام رواها عنه جمهور أصحابه ولم يذكر أكثر أصحابه غيرها ..اه
وجاء في المغني ج 10 ص 84 مسألة : قال : [وذبيحة المرتد حرام وان كانت ردته إلى دين أهل الكتاب]
هذا قول مالك و الشافعي وأصحاب الرأي وقال إسحاق : إن تدين بدين أهل الكتاب حلت ذبيحته ويحكى ذلك عن الاوزاعي لأن عليا رضي الله عنه قال : [من تولى قوما فهو منهم] ولنا أنه كافر لا يقر على دينه فلم تحل ذبيحته كالوثني ولأنه لا تثبت له أحكام أهل الكتاب إذا تدين بدينهم فانه لا يقر بالجزية ولا يسترق ولا يحل نكاح المرتدة وأما قول علي : فهو منهم فلم يرد به أنه منهم في جميع الأحكام بدليل ما ذكرنا ولأنه لم يكن يرى حل ذبائح نصارى بني تغلب ولا نكاح نسائهم مع توليتهم للنصارى ودخولهم في دينهم ومع إقرارهم بما صولحوا عليه فلأن لا يعتقد ذلك في المرتدين أولى إذا ثبت هذا فانه إذا ذبح حيوانا لغيره بغير إذنه ضمنه بقيمته حيا لأنه أتلفه عليه وحرمه وان ذبحه بإذنه لم يضمنه لأنه أذن في إتلافه . اه
و هذا ما ذكره الزركشي أيضا في شرحه ج6ص625 قال : ولا تؤكل ذبيحة مرتد ولا صيده وإن تدين بدين أهل الكتاب.
ش: لأنه كافر لا يقر على كفره، أشبه عبده الأوثان وقوله: وإن تدين بدين أهل الكتاب. ينبه به على مذهب إسحاق و الأوزاعي فإنهما أجازا ذبيحته إذا تدين بدين أهل الكتاب، وقوله: «ولا يؤكل صيد مرتد». أي ما قتله من الصيد، أما ما لم يقتله وذكاه من هو من أهل الذكاة فلا إشكال في حله . واللَّه أعلم اه .
جاء في المجموع 9<3 :
قال ابن المنذر: وكان الأوزاعي يقول في هذه المسألة معنى قول الفقهاء إن من تولى قوما فهو منهم، وقال إسحاق: إن ارتد إلى النصرانية حلت ذبيحته . اه
جاء في كتاب مختصر اختلاف العلماء للجصاص احمد ابن محمد ابن سلامة الطحاوي ج3ص211 :
قال أصحابنا ومالك والليث والشافعي والثوري رضي الله عنهم لا تؤكل ذبيحة المرتد وإن تهود أو تنصر وقال الأوزاعي تؤكل ذبيحته إذا تنصر أو تهود لقول الله تعالى ومن يتولهم منكم فإنه منهم المائدة المراد من تولاهم من مشركي العرب فصار إلى دينهم فأما من كان مسلما فلا لأنه لا يقر عليه . اه
الكافي لابن عبد البر 1<181 :
ولا تؤكل ذبيحة المرتد وان تهود أو تنصر والمجوس وأهل الأوثان وسائر اليهود والنصارى سواء في تحريم ذبائحهم ولا تؤكل ذبيحة السكران ولا من لا يعقل وقد قيل ذلك مكروه ولا يبلغ به مبلغ ما ذبح المرتد وكل من أطاق الذبح وجاء به على سنته من ذكر أو أنثى جاز ذبحه إذا كان مسلما أو كتابيا ويستحب أن لا يذبح إلا من ترضى حاله وذبح المسلم أفضل وأولى من ذبح الكتابي ولا يذبح نسكا إلا مسلم فإن ذبح النسك كتابي فقد اختلف فيه ...اه
و هو نفس سبب الخلاف الوارد في نصارى العرب و السامرة و الصابئة و المجوس فمنهم من ألحقهم بأهل الكتاب فأجرى عليهم نفس الأحكام التي أجراها على أهل الكتاب و منهم من عارض ذلك مفرقا بين دخولهم قبل التبديل و بعده ومنهم من جعل لهم شبهة كتاب بدلا من كتاب محقق و لكن الأكيد أنهم متفقون على من عاداهم ممن دخل في غير دين أهل الكتاب و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على اتفاقهم في تحريم ذبيحة غير المسلم و الكتابي فتنبه
لمهذب 1 / 457
فإن ذبح مشرك نظرت فإن كان مرتدا أو وثنيا أو مجوسيا لم يحل لقوله تعالى : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم } [ المائدة : 5 ] وهؤلاء ليسوا من أهل الكتاب وإن كان يهوديا أو نصرانيا من العجم حل للآية وإن كان من نصارى العرب وهم بهراء وتنوخ وتغلب لم يحل لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : ما نصارى العرب بأهل كتاب لا تحل لنا ذبائحهم وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : لا تحل ذبائح نصارى بني تغلب ولأنهم دخلوا في النصرانية بعد التبديل ولا يعلم هل دخلوا في دين من بدل منهم أو في دين من لم يبدل منهم فصاروا كالمجوس لما أشكل أمرهم في الكتاب لم تحل ذبائحهم..اه.
جاء في الملل و النحل للشهرستاني 1<63 :
الجزء الثاني
أهل الكتاب الخارجون عن الملة الحنيفية، والشريعة الإسلامية؛ ممن يقول: بشريعة وأحكام، وحدود وأعلام. وهم قد انقسموا: إلى من له كتاب محقق؛ مثل التوراة، والإنجيل؛ وعن هذا يخاطبهم التنزيل بأقل الكتاب. وإلى من له شبهة كتاب؛ مثل: المجوس، والمانوية؛ فإن الصحف التي أنزلت على إبراهيم عليه السلام قد رفعت إلى السماء؛ لأحداث أحدثها بهم نحو اليهود والنصارى؛ إذ هم: من أهل الكتاب؛ ولكن لا يجوز مناكحتهم، ولا أكل ذبائحهم؛ فإن الكتاب قد رفع عنهم.فنحن: نقدم ذكر أهل الكتاب؛ لتقدمهم بالكتاب. ونؤخر ذكر من له شبهة كتاب.اه
و قال ابن حجر في فتح الباري 6<261
وروى عبد بن حميد في تفسير سورة البروج بإسناد صحيح عن ابن أبزى : لما هزم المسلمون أهل فارس . قال عمر : اجتمعوا فقال : إن المجوس ليسوا أهل كتاب فنضع عليهم , ولا من عبدة الأوثان فنجري عليهم أحكامهم , فقال علي بل هم أهل كتاب فذكر نحوه لكن قال وقع على ابنته وقال في آخره فوضع الأخدود لمن خالفه فهذا حجة لمن قال كان لهم كتاب وأما قول بن بطال لو كان لهم كتاب ورفع لرفع حكمه ولما استثنى حل ذبائحهم ونكاح نسائهم فالجواب أن الاستثناء وقع تبعا للأثر الوارد في ذلك لأن في ذلك شبهة تقتضي حقن الدم بخلاف النكاح فإنه مما يحتاط له وقال بن المنذر ليس تحريم نسائهم وذبائحهم متفقا عليه ولكن الأكثر من أهل العلم عليه وفي الحديث قبول خبر الواحد وأن الصحابي الجليل قد يغيب عنه علم ما اطلع عليه غيره من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأحكامه وأنه لا نقص عليه في ذلك وفيه التمسك بالمفهوم لأن عمر فهم من قوله أهل الكتاب اختصاصهم بذلك حتى حدثه عبد الرحمن بن عوف بإلحاق المجوس بهم فرجع إليه ...اهقال الشوكاني في نيل الاوطار7<136 :
ورواه الدار قطني وابن المنذر في الغرائب من طريق أبي علي الحنفي عن مالك فزاد فيه عن جده أي جد جعفر بن محمد وهو أيضا منقطع لأن جده علي بن الحسين لم يلحق عبد الرحمن بن عوف ولا عمر فإن كان الضمير في جده يعود إلى محمد بن علي فيكون متصلا لأن جده الحسين ابن عوف وله شاهد من حديث مسلم بن العلاء بن الحضرمي أخرجه الطبراني في آخر حديث بلفظ " سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب " قال ابن عبد البر هذا من الكلام العام الذي أريد به الخاص لأن المراد سنة أهل الكتاب على أنهم ليسوا أهل الكتاب لكن روى الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما بإسناد حسن عن علي كان المجوس أهل كتاب يدرسونه وعلم يقرؤونه فشرب أميرهم الخمر فوقع على أخته فلما أصبح دعا أهل الطمع فأعطاهم وقال أن آدم كان ينكح أولاده بناته فأطاعوه وقتل من خالفه فأسري على ما في كتابهم وعلى ما في قلوبهم منه فلم يبق عندهم منه شيء...اه
جاء في معاصر المختصر 2<150
وهذه مسألة مختلف فيها فقالت طائفة من انتحل دين اليهودية من العرب صار منهم وله حكمهم في حل الذبيحة والنكاح عن ابن عباس كلوا من ذبائح بني تغلب وتزوجوا من نسائهم قال تعالى ومن يتولهم منكم فإنه منهم وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ولا فرق بين دخولهم في الجاهلية أو في الإسلام وخالفهم طائفة فقالوا لا تحل ذبائحهم ونساؤهم وهو قول ابن مسعود وعلي بن أبي طالب روي عن عبد الله كان ينهى عن ذبائح اليهود ونصارى العرب وإن ذكروا اسم الله عز وجل وعن عكرمة سألت عليا عن ذبائح نصارى العرب قال لا تحل ذبائحهم فإنهم لم يتعلقوا من دينهم إلا بشرب الخمر وفيه أنهم لو تعلقوا بشرائع دينهم كلها لكانوا مثلهم وقال آخرون منهم الشافعي إن كان ذلك منهم قبل نزول الفرقان خلى بينهم وبين ذلك وإن كان بعده منعوا ...اه
جاء في بداية المجتهد 1<364 :
وأما المجوس فإن الجمهور على أنه لا تجوز ذبائحهم لانهم مشركون، وتمسك قوم في إجازتها بعموم قوله عليه الصلاة والسلام: سنوا بهم سنة أهل الكتاب.وأما الصابئون فالاختلاف فيهم من قبل اختلافهم في هل هم من أهل الكتاب أم ليسوا من أهل الكتاب
صحيح البخاري 5<2101
وقال الزُهري: لابأسَ بذَبيحةِ نصارَى العرب، وإِن سمعتَه يُسَمّي لغيرِ الله فلا تأكلْ وإن لم تَسمَعْهُ فقد أَحَلَّهُ الله وعلمَ كفرَهم. ويُذكَرُ عن عليّ نحوهُ وقال الحسنُ وإبراهيمُ: لا بأسَ بذَبيحةِ الأقلَفِ. وقال ابن عباسٍ: طعامُهم ذبائحهم .اه
جاء في تفسير البغوي - (ج 4 / ص 34)
واتفقوا على تحريم ذبائح المجوس ومناكحتهم بخلاف أهل الكتابين.
أما من دخل في دين اليهود والنصارى من غيرهم من المشركين نُظِر: إن دخلوا فيه قبل النسخ والتبديل يقرون بالجزية، وتحل مناكحتهم وذبائحهم، وإن دخلوا في دينهم بعد النسخ بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم لا يُقَرون بالجزية، ولا تحل مناكحتهم وذبائحهم، ومن شككنا في أمرهم أنهم دخلوا فيه بعد النسخ أو قبله: يقرون بالجزية تغليبا لحقن الدم، ولا تحل مناكحتهم وذبائحهم تغليبا للتحريم، فمنهم نصارى العرب من تنوخ وبهراء وبني تغلب، أقرَّهم عمر رضي الله عنه على الجزية، وقال: لا تحل لنا ذبائحهم.اه
قال أبو الوليد في كتابه المنتقى في الفقه ج4
972 ـ مالك، عن ثور بن زيد الديلي، عن عبد اللّه بن عباس أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب، فقال: لا بأس بها، وتلا هذه الآية (ومن يتولهم منكم فإنه منهم).اه
و قال في موضع آخر في نفس الجزء : ولا تؤكل ذبائح الصابئين، وليس بحرام ذبائح المجوس، وقد حرم الحسن وسعيد بن جبير ذبائحهم، ونكاح نسائهم، وقيل إنهم بين المجوسية والنصرانية.
مسألة: ولا تؤكل ذبائح المجوس، وليسو أهل كتاب، ولو ولى مسلماً ذبيحته، فقد اختلف فيها، فأجازها ابن سيرين وعطاء، وكره ذلك الحسن.اه
جاء في المدونة 1<636
وأما المسألة الثانية ) وهي ذبائح نصارى بني تغلب والمرتدين فإن الجمهور على أن ذبائح النصارى من العرب حكمها حكم ذبائح أهل الكتاب وهو قول ابن عباس ومنهم من لم يجز ذبائحهم وهو أحد قولي الشافعي وهو مروى عن علي رضي الله عنه . وسبب الخلاف هل يتناول العرب المتنصرين والمتهودين اسم الذين أوتوا الكتاب كما يتناول ذلك الأمم المختصة بالكتاب وهم بنو إسرائيل والروم.........اه.
المدونة 1<636
وأما الصائبون فالاختلاف فيهم من قبل اختلافهم في هل هم من أهل الكتاب أم ليسوا من أهل الكتاب .
11<48 الشرح الكبير
ولا فرق بين الحربي والذمي في إباحة ذبيحة الكتابي منهم وتحريم ذبيحة من سواه وسئل أحمد عن ذبائح نصارى أهل الحرب فقال لا باس بها حديث عبد الله بن مغفل قال إسحاق أجاد قال ابن المنذر أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم منهم مجاهد و الثوري و الشافعي و احمد و إسحاق و أصحاب الرأي ولا فرق بين الكتابي العربي وغيره إلا أن في نصارى العرب اختلافا ذكرناه في باب الجزية وسئل مكحول عن ذبائح نصارى العرب فقال أما بهرا وتنوخ فلا باس وأما بنو تغلب فلا خير في ذبائحهم لأنه يروى عن علي رضي الله عنه وهو مذهب الشافعي ولا ذبائح العرب من أهل الكتاب كلهم والصحيح إباحته لعموم الآية فيهم... اه
تفسير البحر المحيط 27
وأما السامرة والصابئة فالجمهور على أنهم من اليهود والنصارى تؤخذ منهم الجزية وتؤكل ذبيحتهم. وقالت فرقة: لا تؤخذ منهم جزية، ولا تؤكل ذبائحهم. وقيل: تؤخذ منهم الجزية، ولا تؤكل ذبائحهم..اه