منتدى التوحيد الخالص
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

بسم الله الرحمن الرحيم

نعلن لكافة أعضاء وزوار المنتدى أنه قد تم بفضل الله افتتاح

منتدى التوحيد الخالص

في نسخة جديدة ومطورة، والذي سيوفر إن شاء الله لرواده تسهيلات إضافية لاحتوائه على امتيازات وخصائص حديثة أفضل من سابقه

وقد تم اختيار إحدى أفضل الشركات العالمية المتخصصة لرفع المنتدى وضمان أفضل خدمة لرواده إن شاء الله تعالى

ولذلك نرجو من الجميع التسجيل بنفس الأسماء في المنتدى الجديد
www.twhed.com/vb






 

 صفات الله عز وجل التي هي من أصل التوحيد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الشاطبي
عضو نشيط



عدد الرسائل : 22
تاريخ التسجيل : 12/10/2008

صفات الله عز وجل التي هي من أصل التوحيد Empty
مُساهمةموضوع: صفات الله عز وجل التي هي من أصل التوحيد   صفات الله عز وجل التي هي من أصل التوحيد I_icon_minitimeالأربعاء 9 سبتمبر - 13:38


ملاحظة : ما بين (( )) عبارة عن الحواشي نقلتها إلى المتن .
----------------------------------------------
اعلم وفَّقك الله لمرضاته ، وأرشدك لطاعته ، وهداك إلى صراطه المستقيم أن هذه المسألة من أهم المسائل ، وبه يظهر حقيقة التوحيد ، وبه يفرق بين الموحدين والمشركين .
اعلم أن الله سبحانه وتعالى لا يدرك كنهه أحد ، وإنما عرفناه بصفاته ، وصفاته عز وجل كثيرة . والناس متفاوتون في معرفة صفات الله عز وجل كما أشار إلى ذلك الإمام الذهبي حيث قال : ( والنبيون عرفوا الله تعالى ، وبعضهم أكمل معرفة لله ، والأولياء فعرفوه معرفة جيدة ، ولكنها دون معرفة الأنبياء ، ثم المؤمنون العالمون بعدهم ، ثم الصالحون دونهم . فالناس في معرفة ربهم متفاوتون ، كما أن إيمانهم يزيد وينقص ، بل وكذلك الأمة في الإيمان بنبيهم والمعرفة له على مراتب ، فأرفعهم في ذلك أبو بكر الصديق مثلاً ، ثم عدد من السابقين، ثم سائر الصحابة ، ثم علماء التابعين ، إلى أن تنتهي المعرفة به والإيمان به إلى أعرابي جاهل وامرأة من نساء القرى ، ودون ذلك ) ((سير أعلام النبلاء للذهبي (17/547-548) .)).
لكن هناك حد أدنى في المعرفة يشترك فيه كل الموحدين ، ولا يكونون موحدين إلا بتلك المعرفة كما قال الإمام شمس الدين ابن قيم الجوزية رحمه الله : ( انه لا يستقر للعبد قدم في المعرفة بل ولا في الإيمان حتى يؤمن بصفات الرب جل جلاله ويعرفها معرفة تخرجه عن حد الجهل بربه فالإيمان بالصفات ومعرفتها هو أساس الإسلام وقاعدة الإيمان ) ((مدارج السالكين لابن القيم (2/485).)) .
إذاً فما هي أقل حد من المعرفة التي يجب أن تتوفر عند الشخص لكي يكون عارفاً بالله المعرفة التي تخرجه عن حد الجهل بربه سبحانه ويعتبر أنه قد عرف الله عز وجل ؟
أو بمعنى آخر ما هو أقل حد يجب على المرء معرفته من صفات الله عز وجل لكي يكون موحداً ؟
أو بمعنى آخر ما هي الصفات التي هي من أصل دين الإسلام وأساسه ؟
أو بمعنى آخر ما الفرق بين صفات الله التي يعذر الإنسان فيها بالجهل أو التأويل وصفات الله التي لا يعذر الإنسان فيها بالجهل أو التأويل ؟
أو هل الجهل بالصفة جهل بالموصوف دائماً ؟ فكلها أسئلة تصب في مصب واحد .
فالجواب : أنه إذا كانت هذه الصفة مما لا يتصور الموصوف إلا بها كان جهل تلك الصفة جهلاً بالموصوف . فإن هناك صفات لله تعالى لا يسع المؤمن الموحد جهلها ، بل لا يكون مؤمناً موحداً ولا عارفاً بالله المعرفة التي تخرجه عن حد الجهل به سبحانه إلا بمعرفة هذه الصفات معرفة يقينية لا شك فيها بوجه من الوجوه ، وهي الصفات التي لا يتم مفهوم الربوبية ولا يتصور إلا بها ، بمعنى آخر من عرف أن الله هو رب العالمين فإنه بذلك يكون قد عرف الله عز وجل المعرفة التي تخرجه عن حد الجهل به سبحانه .
والدليل على ذلك فاتحة دعوة الأنبياء ، فهم كانوا يدعون أقوامهم إلى عبادة الله بوصفه أنه رب العالمين قبل أن يبينوا تفاصيل صفاته وأسمائه الكثيرة ، ويبينون لهم أن الله سبحانه وتعالى اختارهم لكي يبلغوا للناس رسالة التوحيد والتي هي عبادة رب العالمين وحده لا شريك له ، قال الله عز وجل عن أول رسول له إلى البشرية وهو نوح عليه السلام : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }* (الأعراف: 59-63)
وقال سبحانه عن هود عليه السلام : { وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ * أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلاَءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ }* (الأعراف: 65-70)
وموسى عليه السلام لما كلمه الله تبارك وتعالى ، عرَّف الله نفسه أول ما عرَّف أنه ربُّ العالمين ، قال الله عز وجل في كتابه الكريم : { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }* (القصص: 30)
وانظر ماذا أمر الله موسى وهارون عليهما السلام : { وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلاَ يَتَّقُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ * وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ * قَالَ كَلاَّ فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ * فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاَ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ * فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ * وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ }* (الشعراء: 10-29)
وانظر إلى فاتحة دعوة موسى عليه السلام لفرعون كيف كانت : { وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَ أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ }* (الأعراف: 104-105)
وانظر ما الذي أمر الله عيسى عليه السلام بتبليغه للناس ، يقول سبحانه : { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }* (المائدة: 116-117) .
فهذه نماذج لبداية دعوة بعض أنبياء الله تعالى عليهم السلام لأقوامهم ، كيف أنهم دعوا أقوامهم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى بوصفه أنه رب العالمين قبل أن يبينوا تفاصيل صفاته وأسمائه الكثيرة ، مما يعني أننا إذا عرفنا أن الله هو رب العالمين فإننا بذلك نكون قد عرفنا الله عز وجل المعرفة التي تخرجنا من حد الجهل به سبحانه .
ومن الدليل على ذلك أيضاً قول الله عز وجل : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ }* (الأعراف: 172-173) حيث اكتفى الله عز وجل بأخذ الحجة على الخلق أنه ربهم ، وجعلها سبحانه حجة في بطلان الشرك .
إذاً فما هي هذه الصفات التي لا تتحقق معرفة الله سبحانه و تعالى إلا بها ؟ وما معنى كلمة الرب التي أشهد الله سبحانه وتعالى خلقه عليها ، والتي تكررت كذلك في حوارات الأنبياء عليهم السلام مع أقوامهم ؟ وما هي الصفات التي يكون مفهوم ربوبية الله عز وجل قائماً عليها ولا يتحقق إلا بها ؟

فصل : معاني كلمة الرب في اللغة
اعلم بداية أنه لا يقال « الرب » مطلقاً أي بدون إضافة إلا لله عز وجل ، ولا يذكر هذا الاسم في حق المخلوق إلا بالإضافة ، فيقال مثلاً رب الأسرة ، ورب الإبل . وكلمة الرب في اللغة تصرف على ثلاث معاني رئيسية : أحدها : المالك ، والثاني : المصلح المربي ، والثالث : السيد المطاع .
وقد جمع الإمام الطبري بين هذه المعاني الثلاث فقال : ( فربنا جل ثناؤه : السيد الذي لا شبه له ولا مثل في مثل سؤدده ، والمصلح أمر خلقه بما أسبغ عليهم من نعمه ، والمالك الذي له الخلق والأمر ) ((تفسير الطبري (1/142) .)) .
وسنلقي الضوء على هذه المعاني الثلاث وما تتضمنه من صفات بحول الله تعالى .

المعنى الأول لكلمة الرب وهو المالك :
يقال رب الدابة ، ورب الدار بمعنى مالكه ، فكل من ملك شيئًا فهو رَبُّهُ ، فالرب المالك ، ويقال إِنه لَـمَرْبُوبٌ بَيِّنُ الرُّبُوبَةِ أَي لَـمَمْلُوكٌ ؛ والعِـبادُ مَرْبُوبونَ للَّهِ عزَّ وجلَّ أَي مَمْلُوكونَ .
ولما كان الله عز وجل رب كل شيء بمعنى أن كل شيء هو ملكه تضمن ذلك صفة الخلق ((وكون الله عز وجل هو الخالق وما سواه مخلوق يلزم منه أنه سبحانه واجب الوجود لذاته ، أو واجب الوجود بنفسه ، ومعناه أنه لم يوجده أحد وأنه لا يقبل العدم ، وأما غيره فيسمى ممكن الوجود لاحتياجه إلى من يوجده ولقبوله العدم . لذا كان الله سبحانه وتعالى ( هُوَ الأَوَّلُ وَالآَخِرُ ( (الحديد:3) فهو أول بلا ابتداء وآخر بلا انتهاء .)) . وهو أن الله خالق كل شيء ، وأن كل شيء سوى الله مخلوق . قال تعالى : { قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }* (الرعد: 16) ، وقال تعالى : { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لاَ يُوقِنُونَ }* (الطور: 35-36) .
ويلزم من صفة الخلق صفتي العلم والقدرة أي أن الله على كل شيء قدير وأنه بكل شيء عليم ، فإن كمال القدرة والعلم يرتبطان بصفة الخلق ارتباطاً وثيقاً . إذ لا يتصور ممن خلق كل شيء أن يجهل ما خلق ، ولا يتصور ممن خلق العالمين من العدم إلى الوجود أن يعجزه شيء ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .
كما أنه يتضمن صفة الإرادة ، كما أشار إليه ابن عاشور في تفسيره قوله تعالى : { إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } (الشورى: 50) حيث قال : ( ولمَّا جمع بين وصفي العلم والقدرة تعين أن هنالك صفة مطوية وهي الإرادة لأنه إنما تتعلق قدرته بعد تعلق إرادته بالكائن ) ((تفسير التحرير والتنوير (25/139) .)) . أي أن ظهور القدرة تابع للإرادة ، وكذلك الخلق والإيجاد يتضمن صفة الإرادة أيضاً.
قال تعالى : { وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }* (الملك: 13-14)
قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية : ( { أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ } ؟ أي: ألا يعلم الخالق ؟! وقيل: معناه ألا يعلم الله مخلوقه ؟! والأول أولى ، لقوله: { وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } ) ((تفسير ابن كثير (14/74-75) .)) .
قال الإمام أبو عبد الله القرطبي : ( ولا بد أن يكون الخالق علاَّماً بما خلقه وما يخلقه ) ((تفسير القرطبي (21/122) .)) .
قال الشوكاني : ( والاستفهام في قوله : { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ } للإنكار ، والمعنى : ألا يعلم السرّ ، ومضمرات القلوب من خلق ذلك وأوجده ، فالموصول عبارة عن الخالق ، ويجوز أن يكون عبارة عن المخلوق ، وفي { يَعْلَمُ } ضمير يعود إلى الله ، أي : ألا يعلم الله المخلوق الذي هو من جملة خلقه ، فإن الإسرار والجهر ومضمرات القلوب من جملة خلقه ) ((تفسير الشوكاني (5/262) .)) .
قال سيد قطب : ( { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ } ألا يعلم وهو الذي خلق ؟ { وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } الذي يصل علمه إلى الدقيق الصغير والخفي المستور ) ((في ظلال القرآن (6/3636) .)) .
قال السعدي : ( هذا إخبار من الله بسعة علمه، وشمول لطفه فقال: { وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ } أي: كلها سواء لديه، لا يخفى عليه منها خافية، فـ { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } أي: بما فيها من النيات، والإرادات، فكيف بالأقوال والأفعال، التي تسمع وترى؟! ثم قال -مستدلا بدليل عقلي على علمه-: { أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ } فمن خلق الخلق وأتقنه وأحسنه، كيف لا يعلمه؟! ) ((تفسير السعدي (1/876) .)) .
قال فخر الدين الرازي : ( ان معنى الآية أن من خلق شيئاً لا بد وأن يكون عالماً بمخلوقه ، وهذه المقدمة كما أنها مقررة بهذا النص فهي أيضاً مقررة بالدلائل العقلية ، وذلك لأن الخلق عبارة عن الإيجاد والتكوين على سبيل القصد ، والقاصد إلى الشيء لا بد وأن يكون عالماً بحقيقة ذلك الشيء فإن الغافل عن الشيء يستحيل أن يكون قاصداً إليه ) ((تفسير الرازي (30/66) .)) .
قال تعالى : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا }* (الطلاق: 12)
قال فخر الدين الرازي : ( أي لكي تعلموا إذا تفكرتم في خلق السموات والأرض ، وما جرى من التدبير فيها أن من بلغت قدرته هذا المبلغ الذي لا يمكن أن يكون لغيره ، كانت قدرته ذاتية لا يعجزه شيء عما أراده ) ((تفسير الرازي (30/40) .)) .
قال تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }* (البقرة: 164)
قال الإمام أبو عبد الله القرطبي : ( قوله تعالى : { لَآَيَاتٍ } أي دلالات تدل على وحدانيته وقدرته ) ((تفسير القرطبي (2/504). )) .
قال الإمام ابن أبي العز الحنفي (ت. 722هـ) في تفسير قوله تعالى : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا }* (فاطر: 44) : ( فَنَبَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي آخِرِ الآيَةِ عَلَى دَلِيلِ انْتِفَاءِ الْعَجْزِ ، وَهُوَ كَمَالُ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ ، فَإِنَّ الْعَجْزَ إِنَّمَا يَنْشَأ إِمَّا مِنَ الضَّعْفِ عَنِ الْقِيَامِ بِمَا يُرِيدُهُ الْفَاعِلُ ، وَإِمَّا مِنْ عَدَمِ عِلْمِهِ بِهِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَقَدْ عُلِمَ ببديهة الْعُقُولِ وَالْفِطَرِ كَمَالُ قُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ ، فَانْتَفَى الْعَجْزُ ، لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقُدْرَةِ مِنَ التَّضَادِّ ، وَلأَنَّ الْعَاجِزَ لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا ) ((شرح العقيدة الطحاوية (1/72) .)) . وقال في موضع آخر : ( وَهَذَا الأَصْلُ هُوَ الإِيمَانُ بِرُبُوبِيَّتِهِ الْعَامَّةِ التَّامَّةِ ، فَإِنَّهُ لاَ يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ مَنْ آمَنَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تِلْكَ الأَشْيَاءِ ، وَلاَ يُؤْمِنُ بِتَمَامِ رُبُوبِيَّتِهِ وَكَمَالِهَا إِلاَّ مَنْ آمَنَ بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ((شرح العقيدة الطحاوية (1/117) .)) .
قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } (الزمر: 67) :
( وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله تعالى عليهم، فمن آمن أن الله على كل شي قدير، فقد قدر الله حق قدره، ومن لم يؤمن بذلك فلم يقدر الله حق قدره ) ((تفسير ابن كثير (12/147) .)) .
ولما سئل أعرابي عن كيفية معرفته صانع العالم أجاب بقوله : ( البعرة تدل على البعير . والروث على الحمير ، وآثار الأقدام على المسير ، فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج . وبحار ذات أمواج ، أما تدل على الصانع الحليم العليم القدير ؟! ) ((تفسير الرازي (2/109) .)) .
قال شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية : ( فمعلوم أن الإنسان لا يكون عارفاً بالله المعرفة الواجبة في الشرع ولا المعرفة التي تُمَكِّنُ بني آدم ولا المعرفة التامة حتى يعلم أنه حي عليم قدير ) ((درء تعارض العقل والنقل (3/26) .)) .
وصفة الخلق تدل أيضاً على صفة الحكمة ، كما قال تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }* (آل عمران: 190-191) فأخبر الله عز وجل عن نتيجة التفكر في خلق السماوات والأرض أنها مؤدية إلى الإقرار بحكمة الله عز وجل ، ولقد ذكر في آية أخرى أن من عدم الإيمان بحكمة الله عز وجل إنما هو من ظن الذين كفروا ، فقال عز من قائل : { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ }* (ص: 27)
المعنى الثاني لكلمة الرب ، وهو المصلح المربي :
يقال لمن قام بإصلاح شيء وإتمامه قد رَبَّهُ يَرُبُّهُ فهو رَبٌّ له ورَابٌّ ، ومنه سمي الرَّبَّانيُّون لقيامهم بالكتب ((انظر تفسير القرطبي (1/211) . )) ، ومنه تسمى المرأة ربة البيت لقيامها بالتربية وإصلاح البيت .
يتضمن هذا المعنى للربوبية صفة الرزق والإنعام أي تربية الله لخلقه بالنعم التي لا تحصى ، وأن الله هو الذي رزق عباده بكل ما لديهم ، وجعل لهم كل ما يصلحهم وينفعهم ويحفظهم ويسهل معيشتهم على ظهر الأرض .
قال تعالى : { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } (غافر: 64) .
ويتضمن هذا المعنى للربوبية كونه سبحانه وتعالى هو المتصرف في الكون ، الذي بيده تدبير كل شيء ، فكما أنه يصلح ويربي خلقه بالإنعام فهو أيضاً يتصرف فيهم كما شاء ، فلا يصير في ملك الله إلا ما أراد ، أي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن .
قال تعالى : { وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (يونس: 107) ، وقال سبحانه : { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ }* (الأنبياء: 23) ، وقال سبحانه : { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }* (آل عمران: 26-27)
ولا يقوم بكل ما سبق إلا من كانت لديه القدرة التامة والعلم الشامل بالكليات والجزئيات ، ومن هو موصوف بالحكمة التامة وهو الله سبحانه وتعالى .
قال الإمام شمس الدين ابن قيم الجوزية : ( الربوبية المتضمنة لخلقهم وتدبيرهم وتربيتهم وإصلاحهم وجلب مصالحهم وما يحتاجون إليه ودفع الشر عنهم وحفظهم مما يفسدهم هذا معنى ربوبيته لهم وذلك يتضمن قدرته التامة ورحمته الواسعة وإحسانه وعلمه بتفاصيل أحوالهم وإجابة دعواتهم وكشف كرباتهم ) ((بدائع الفوائد (2/779) .)) .
وقد تأتي كثيراً نداءات المستغيثين والسائلين باسم الرب تعالى بهذا المعنى تحديداً ، كما أشار إليه الإمام الشاطبي رحمه الله بقوله : ( ومنها كثرة مجيء النداء باسم الرب المقتضى للقيام بأمور العباد وإصلاحها فكأنَّ العبد متعلق بمن شأنه التربية والرفق والإحسان ، قائلاً يا من هو المصلح لشئوننا على الإطلاق أتم لنا ذلك بكذا ، وهو مقتضى ما يدعو به ) ((الموافقات (4/203) .)) .
المعنى الثالث لكلمة الرب ، وهو السيد المطاع :
يقال رَبَبْتُ القومَ أي سُسْتُهم أَي كنتُ فَوْقَهم ، ومنه قول يوسف عليه السلام : { فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا } (يوسف: 41) أي سيده ، ومن ذلك قول لَبِيد بن ربيعة :
وأَهْلكْنَ يومًا ربَّ كِنْدَة وابنَه ورَبَّ مَعدٍّ ، بين خَبْتٍ وعَرْعَرِ
يعني بربِّ كندة: سيِّد كندة ((تفسير الطبري (1/141) .)) .
وبما أن الله سبحانه وتعالى رب كل شيء ، فيتضمن هذا المعنى للربوبية أن الله له الأمر والطاعة والسيادة المطلقة كما له الخلق . وأنه هو الذي يضع لهم التشريعات ويحل عليهم الحلال ويحرم عليهم الحرام .
قال تعالى : { أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } (الأعراف: 54) ، وقال تعالى : { وَاللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ } (الرعد: 41)
وها هو يوسف عليه السلام يعلِّم هذه الصفة لصاحبيه في السجن فيقول : { يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }* (يوسف: 39-40)
قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية : ( أخبرهم أن الحكم والتصرف والمشيئة والملك كلَّه لله، وقد أمر عباده قاطبة ألا يعبدوا إلا إياه، ثم قال: { ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ } أي: هذا الذي أدعوكم إليه من تَوحيد الله، وإخلاص العمل له، هو الدين المستقيم، الذي أمر الله به وأنزل به الحجة والبرهان الذي يحبه ويرضاه ، { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } أي : فلهذا كان أكثرهم مشركين { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } (يوسف: 103) ) ((تفسير ابن كثير (8/43) .)) .
وما كان ادعاء فرعون الربوبية إلا من قبيل هذا المعنى ، قال تعالى : { اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الآَيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآَخِرَةِ وَالأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى * } (النازعات: 17-26) ، ففرعون لم يدعي أنه خلق قومه ، وأنه هو الذي ينزل الأمطار لهم ، لكن كان يدعي أنه هو صاحب الأمر والنهي المطلق فيهم { قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ }* (غافر: 29)
قال فخر الدين الرازي : ( وأما ادعاؤه الربوبية لنفسه فبمعنى أنه يجب عليهم طاعته والانقياد له وعدم الاشتغال بطاعة غيره ) ((تفسير الرازي (22/64) .)) .
وما كان اتخاذ اليهود والنصارى أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله إلا من قبيل هذا المعنى ، قال الله عز وجل عنهم : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } (التوبة: 31) فكانوا يطيعونهم في التحليل والتحريم بدل أن يتبعوا ما شرع الله سبحانه وتعالى لهم .
لذا كانت لا إله إلا الله كلمة تكرهها الملوك لأنها تجعلهم عبيداً أمام الملك الحق سبحانه وتعالى ، { فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ }* (المؤمنون: 116) ، فكان أكثر ما يفسد الدين الملوك وأحبار السوء ورهبان الفساد ، وما أصدق ما قاله الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله :
رَأَيْتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ الْقُلُـوبَ وَقَدْ يُورِثٌ الـذُّلَّ إِدْمَانُهَا
وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ الْقُـلُوبِ وَخَيْرٌ لِنَفْسِـكَ عِصْيَانُهَا
وَهَلْ أَفْسَدَ الدِّينَ إِلاَّ الْمُلُوكَ وَأَحْبَارُ سُـوءٍٍ وَرُهْبَانُهَا
ولما كان هذا المعنى للربوبية مهماً جداً أفرده الله عز وجل في سورة الناس فقال سبحانه : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ }* (الناس: 1-2) ، ولما كان هناك من البشر من يجاوز حد العبودية بادعائه لنفسه هذا الحق فيصير بذلك الادعاء طاغوتاً وإلهاً باطلاً أشار الله سبحانه وتعالى أنه هو الملك يوم القيامة بحيث لا ينازعه أحد ذلك اليوم في هذا الحق ، قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ }* (الأنعام: 73) ، وقال سبحانه : { وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } (الحج: 55-56) ، وقال تعالى : { يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }* (غافر: 16-17) ، وقال تعالى : { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلاَئِكَةُ تَنْزِيلاً * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا * وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً }* (الفرقان: 25-27) .
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : ( قوله : { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } (الفاتحة: 3) وفي القراءة الأخرى : { مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ } فمعناه عند جميع المفسرين كلهم ما فسره الله به في قوله : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ }* (الانفطار: 17-19) فمن عرف تفسير هذه الآية , وعرف تخصيص الْمُلْك بذلك اليوم , مع أنه سبحانه مالك كل شيءٍ ذلك اليوم وغيره , عرف أن التخصيص لهذه المسألة الكبيرة العظيمة التي بسبب معرفتها دخل الجنة من دخلها , وبسبب الجهل بها دخل النار من دخلها , فيا لها من مسألة لو رحل الرجل فيها أكثر من عشرين سنة لم يوفها حقها ! ) ((الدرر السنية (13/67) .)) .
وكيف ينازعه أحد سبحانه وتعالى في ذلك اليوم العظيم والكل خاشع للملك الحق ذاهل فزع من شدة الهول ، وَجِلٌ مشفق مما في الحساب ، قال الله عز وجل : { وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا * يَوْمَئِذٍ لاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا * وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا }* (طه: 108-111)
-------------------------------------------------------
منقول من كتاب ( منجدة الغارقين ومذكرة الموحدين بصفات الله سبحانه وتعالى التي هي من أصل الدين ) للأخ المهتدي بالله الإبراهيمي حفظه الله .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
صفات الله عز وجل التي هي من أصل التوحيد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى التوحيد الخالص :: منتديات الحوار في مسائل العقيدة :: توحيد الربوبية والأسماء والصفات-
انتقل الى: