قال صاحب الموضوع
مع أنني لا أرى تبايناً في معتقدنا في المسألة .. فلو تأملت ، فكلانا يرى نفس الأمر ولكن باختلاف التعبير ..
تقول :
اقتباس:
مناط تكفير المتحاكم عندي هو كون المتحاكم إليه طاغوتا, سواء كان قانونا يحكم به, أو حاكما يشرك مع الله في حكمه وإن وافق الشرع في بعض الأحيان, وكلاهما يسمى طاغوتا, وكلاهما يقع التحاكم إليه, وذلك لشمول النصوص للأمرين
|
مآل كلامنا واحد لو تأملت .. فأنت تكفر المتحاكم إلى القاضي الطاغوت لأن حكمه طاغوتي .. بمعنى أنه يشرع مع الله .. فالمتحاكم إليه إنما يتحاكم إلى هذا الحكم الكافر .. فالمسألة تعود إلى أصلها وهو : أن مناط التكفير في التحاكم إلى الطاغوت هو في كنه الحكم
فمتى ما كان القاضي يحكم بشرع الله ، فالمتحاكم إليه لا يكفر .. ولكن إن كان يحكم بغير شرع الله ، ويحاكم إلى هواه (بمعنى يشّرع القوانين) أو إلى أحكام كفرية أخرى ، فالتحاكم إليه كفر أكبر ..
ليس بسبب شخصه هو ، ولكن لأن الأحكام التي يصدرها إنما هي أحكام طاغوتية ، وليست إسلامية ، وإن وافقت الإسلام ظاهراً .يكفيك آية : { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ
وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ } [المائدة : 43] .. في إثبات أن التحاكم إنما هو مبني على نوع الحكم .
فأنا لا أرى اختلافاً في معتقدنا في هذه المسألة ، اللهم إلا إن أخطأت فهمك ..
على أي حال ، سأشرع الآن في كتابة المبحث الثالث ، لعله يوضح لك ما اعتاص عليك من كلامي ، إن شاء الله
.
قال المحاور
رجلان نصا في عقد بينهما على أن النزاع يفصل فيه وفق الشريعة الإسلامية, وذهبا لقاض بريطاني أو كندي يحكم بينهما وفق الشريعة, مع أنه طاغوت يحكم بغير ما أنزل الله, وهو إنما يحكم بينهما في هذه القضية لأجل قانونه الذي يعتبر شرط العاقد, لا أنه ينقاد بذلك للشرع
هنا يكون المناط المحكوم به أو الحاكم ؟
أنا أرى أنه يصدق عليهما أنهما تحاكما لطاغوت, وأرى دخول العذر بالتأويل هنا لظنهما أن المهم الحكم الذي يحكم به, وأما الحاكم فغاية ما فيه أنه واسطة اضطروا لها
قال صاحب الموضوع
بل يكون المناط فيما حُكم به ، بغض النظر عمّن يحكم .
تأمل أخي الكريم المثال الذي أوردته ، تجد ما يلي :
أن الحكم الذي سيصدره هذا القاضي ليس من دينه ولا من شرعه ، بل وربما يعتقد بطلانه في قرارة نفسه ، ولكنه إجابة لشرط العقد ، أفتى للمسلم بما يقرره دين الإسلام .
فهو لم يشرّع هذا الحكم الإسلامي من قبل حتى نقول : إن هذا الحاكم ردّ التنازع إلى قانونه أو شريعته الطاغوتية .. بل ردّه في تلك الواقعة إلى كتاب الله تعالى ..
ولا أدري أخي الكريم ما شأن الانقياد للشرع بالنسبة للحاكم في مسألتنا هذه .. فإن كان هو كافر لعدم انقياده للشرع ، ولكنه يفتي بحسب ما يذكره الشرع ، فكيف يكفر المتحاكم إليه ؟ .. هل نحكم على المتحاكمين بدين ومعتقد القاضي ؟
ففي مثالك هذا ، لو أن هذا القاضي يذكر له الأدلة من القرآن والسنة على حكمه ، وهو (أي المتحاكم المسلم) لا يعتقد بشريعته ، ولا بأحقيته في التشريع ، فعلم حكم الله من خلال هذا القاضي ، وبالدليل من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.. فاتبعه .. ليس احتراماً للقاضي وقانونه ، ولكنه وضح له حكم الله فاتبعه .. فهل هذا كفر ؟
ثم أود أن أسألك أخي الفاضل ، ما العلة في كون التحاكم إلى الطاغوت كفراً ؟
لو أنك تقرأ جميع آيات التحاكم ستجد أنها قائمة أساساً على الاتباع والانقياد .. وأن التحاكم إنما جُعل لكشف وتجلية الحكم الشرعي في أمر ما حتى يُتبّع ويُطاع .
فالتحاكم وسيلة إلى الطاعة .. وليس مطلوباً لذاته ، بل لغايته .
فإن كان هذا الرجل علم حكم الله بواسطة هذا القاضي الطاغوت ، فهذا لا يضره في أصل دينه ، خاصة إن كان من أهل العلم ويعرف حكم الله في هذه الواقعة .
لذلك ترى جمعاً من أهل العلم جعلوا التحاكم إلى الطاغوت جائزاً في الضرورة الملحة .. فهم لا يرونه كفراً بذاته ، وإنما لاعتبارات أخرى متعلقة به .. وهو : الانقياد الظاهر والباطن .. فوضعوا شروطاً تدرأ حكم الكفر عن صاحبها إن حققها .
وفي هذه المباحث التي أكتبها ، ستجد ذلك جلياً ، إن شاء الله .
أسألك أخي - بعد إذنك - الأسئلة التالية:
1- الحاكم الكافر الذي يحكم بغير ما أنزل الله وينتصب قاضيا بين الناس فيتحاكمون إليه من دون الله, ولكنه في بعض الأحيان بطلب من المتحاكمين يحكم بينهم بكتاب الله, هل هو طاغوت أم لا ؟
2- الحاكم السابق ذكره هل يجوز التحاكم إليه في غير ضرورة؟ ولماذا ؟
3- رجلان تحاكما إلى قاض كافر يحكم بقانون ما, وهما يقولان أن القانون في هذه المسألة المتنازع فيها يوافق الشريعة أو لا يصادم الشريعة, هل هذا من التحاكم للطاغوت أم لا ؟
4- الحاكم السابق ذكره هل يجوز التحاكم إليه في غير ضرورة؟ ولماذا ؟قال صاحب الموضوع
1 - نعم ، طاغوت.. وإنما يُستعان به في تلك الحال لإنفاذ حكم الله تعالى ، حيث إنه يرد التنازع إلى كتاب الله فيحكم بما يقتضيه .
2- لا يجوز ، لأنه من تولية الكافر على المؤمن ، والله - عز وجل - يقول : { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً } ..
3- نعم ، هو من التحاكم إلى الطاغوت .. فإن ما سيَنفُذ هو حكم غير شريعة الله ، وما سيُتبع هو غير حكم الله . مع علمي أن بعض مشايخنا الفضلاء جعلوا هذه المسألة كالأولى ، لكنني لم أجد دليلاً عليها .
لاحظ أنه في الأولى رد المسألة إلى دين الإسلام ، وفي الثانية إلى دين الطاغوت .
فإن قلت لي إن الطاغوت في الأولى غير منقاد لشرع الله ، قلت لك ولكن المتحاكم إليه منقاد ، ولا يرضى إلا بحكم القرآن .
وكذلك ، فإن الحاكم الطاغوت يقضي بما خالف هواه ، حيث إن القرآن ليس دينه ولا شريعته ، وإنما ردّ التنازع إليه إجابة لطلب المتنازعين .
4- عندي أنه لا يجوز ، لأنه صار شرعاً طاغوتياً متبعاً ، حتى وإن وافق ظاهره الإسلام ، فحقيقته غير ذلك .
هذا ، والله أعلم .
وأرجو يا أخي الكريم أن نهتم ابتداء بالتأصيل لهذه المسائل قبل الخوض فيها .
فإني قد سألتك سؤالاً .. ما علّة كون التحاكم إلى الطاغوت كفراً ؟ .. هل هو مجرّد الذهاب إليه ؟ أم هو طلب حكمه واتباعه فيه ؟
اقتباس:
السلام عليكم ، 1 - نعم ، طاغوت .. وإنما يُستعان به في تلك الحال لإنفاذ حكم الله تعالى ، حيث إنه يرد التنازع إلى كتاب الله فيحكم بما يقتضيه . |
إذا قد تحاكما إلى الطاغوت, ودخلا في حكم الآية: { ألَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا } النساء - (60)
والتفريق بين إذا ما كان طاغوتا يحكم بالشرع بناءا على نصوص قانونه التي تتيح ذلك عند طلب المتعاقدين, وما إذا كان يحكم بقانونه بما يوافق الشرع لا دليل عليه, بل أقد أمر الله بالكفر بالطاغوت بما يتضمن ترك التحاكم إليه مطلقا, وجعل من تحاكم إليه غير كافر به, مما يدل على أن طاغوت الحكم كشخص تعتبر البراءة منه, ولا يتوقف ذلك على النظر لما سيحكم به, فكيف إذا كان حكمه بالشرع في حقيقته تابع لحكم قانونه, ولولا نص قانونه على ذلك لما فعل, والتابع لا يفرد بحكم كما هي القاعدة الفقهية المعروفة, فالعبرة للأصل الذي رد له النزاع, فالمادة التي تنص على أن المتعاقدين لهما اختيار قانون يحكم لهما به القاضي هي المتحاكم إليها, وإلى القانون الذي تضمنهااقتباس:
3- نعم ، هو من التحاكم إلى الطاغوت .. فإن ما سيَنفُذ هو حكم غير شريعة الله ، وما سيُتبع هو غير حكم الله . مع علمي أن بعض مشايخنا الفضلاء جعلوا هذه المسألة كالأولى ، لكنني لم أجد دليلاً عليها . لاحظ أنه في الأولى رد المسألة إلى دين الإسلام ، وفي الثانية إلى دين الطاغوت . |
بل في المسألتين رد المسألة إلى دين الطاغوت, لأن دين الطاغوت هو الذي نص على أن المتنازعين إذا اختارا قانونا يفصل في النزاع بينهما فإن رغبتهما تنفذ
فالطاغوت رد المسألة لدينه في كل الأحوال, ولو نص العاقدين على غير الشريعة لرده لغير الشريعة, فالشريعة لا اعتبار لها أبدا ولا رد إليها, إلا من حيث أنها قانون كغيرها من القوانين التي نص قانون القاضي على أنه يحكم به عندما يرغب بعض المتحاكمين في فصل النزاع على أساسه
وإن شأت قل: رد المسألة لدينه ابتداءً ( دين الطاغوت ), ثم ردها للشرع انتهاءً بناءً على حكم دينه الطاغوتي
فالرد للشرع كان مبنيا على الرد للطاغوت, وما بني على باطل فهو باطل, فالرد الثاني لا يصلح لتعليق الأحكام إليه لابتناءه على الأول وكونه تابعا له لا يفرد بحكم مستقل