الحمد لله الذي نزل الكتاب على عبده ليكون للعالمين نذيرا, الذي بعثه الله شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا الذي دعى الخلق إلى عبادة ربه وحده لا شريك له وأن لا يتخذ معه شريكا ولا نظيرا, نحمده ونشكره ونستعينه ونستغفره ونتوكل عليه ونتوب اليه ونسأله أن يهدينا الى صراطه المستقيم ودينه القيم وان يشرح صدورنا للحق وعقولنا للفهم
ونصلى ونسلم اللهم على نبيك محمدا وعلى آله وصحبه ومن والاه ومن تبعه بإحسان وإيمان إلى يوم الدين الذي قال تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك كتاب الله وسنتي فنصح الأمة وبلغ الأمانة وفتح الله به أعينا عميا وآذانا صما فرسم للعقول طريقا وجعل لها هاديا ودليلا يدلها على الحق ويهديها اليه وهما كتاب الله وسنة رسولة ما ضل من تمسك بهما وما حار من اعتصم بهديهما ولا تلاعبت الأهواء بمن فهم مرادهما عليهما اقيمت الملة وبهديهما استقام الدين وبحجتهما دحض الله شبهات المبتدعين الضالين نسأل الله ان يجعلنا ممن يتبعون هديهما ويتمسكون بمحكمهما ويؤمنون بمتشابههما ويفهمون مرادهما من غير افراط ولا تفريط ولا تحريف ولا تبديل أمين اللهم آمين
يقول شيخ الإسلام الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد :
(إن من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله قوله صلى الله عليه وسلم : ( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله ) , فلم يجعل مجرد التلفظ بها عاصما للدم والمال , بل ولا معرفة معناها مع لفظها بل ولا الإقرار بذلك , بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له , بل لا يحرم ماله ولا دمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله , فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ولا دمه)
أما بعد
فهذه الرساله اريد لها ان تكون عامة وخاصة وان كانت مناسبتها خاصة بشبهة قديمه حديثه رددنا عليها سابقا لكن يتعاود ظهورها مرات ومرات باشكال واثواب قبيحة يظن اصحابها انها ستمر لكن يأبى الله الا ان يبعثرها ويفضح زيفها وينزع عنها ثوبها ليبين مخالفتها لدين الحق الدين الخالص ملة ابراهيم واسماعيل واسحاق و يعقوب وملة محمد عليه افضل الصلاة والتسليم الذى مبناه على أن يكون الدين كله لله لاشريك له بذلك امروا وبذلك امرنا وعلى ذلك صبروا ونسأل الله ان نصبر مثلهم وان نفوز كفوزهم انه مولى ذلك والقادر عليه امين اللهم امين
فنقول وبالله التوفيق
إن قصدنا من هذه الرسالة إنها عامة خاصة هو أنها ستتكلم عن قواعد عامة ذكرنا بعضها من قبل وأساسيات كلية طلبنا من كل مسلم أن يضعها نصب عينيه في حال تعرضه للشبهات وان تكون له كالدرع الحصين فى مواجهة كل ما خالف ملة التوحيد وكل ما ظهر منه أنه دعوة الى اشراك غير الله فى العبادة حتى يسلم دينه ان لم يعرف الرد على هذه الشبهات وكنا ذكرنا هذه القاعده فى رسالة لم تنشر إلى الان وهى متعلقة باحد المواضيع التى بسببه تأخر الرد على شبهة القوانين الموافقه لشرع الله والتحاكم اليها
ولو لاحظ الموحدون هذا العنوان لكفاهم في معرفة أن المطلوب التحاكم إليه ليست أحكام الله إنما القوانين الموافقة لشرع الله بمعنى التشريعات التي توافق تشريعات الله سبحانه وتعالى التشريعات التى من المفترض ان لايكون لاحد حق اصدارها الا لله وحده لاشريك له والتشريعات التى قصد الشارع الحق بها اشياء منها ماهو تعبدى محض ومنها ماهو دنيوى لازالة مفسده او تحصيل مصلحه ولايوجد اعظم من مفسدة الشرك ولااهم واجل من مصلحة التوحيد وتعبيد الناس لله وهذا هو علم مقاصد الشريعه الذى ستكون بأذن الله نهاية هذه الشبهه على يدي هذا العلم الجليل.
وكذلك ستكون ايضا ردا على من يجوز التحاكم لغير شرع الله من اجل تحصيل مصلحة دنيوية فيما يسميه اصحاب هذه الشبهة بدفع الصائل وقد تناسى اصحاب هذه الشبهة ان اول المقاصد الضروريه التى جاء الشرع بحفظها هو الدين فكيف يقدم المال على الدين, والمال من حيث ترتيب هذه المقاصد الضروريه هو فى اخرها مع اختلاف بسيط بين بعض اهل العلم فى ترتيبه الا انهم لم يختلفوا على تقديم الدين على النفس والعقل والنسل والمال ابدا ولله الحمد
فمن يصدر منه مثل هذا الكلام فهو فى حقيقة الامر لايعرف شيئين مهمين
اولهما : انه لايعرف توحيد الربوبيه وتوحيد الاسماء والصفات والتى منها كون ان افعال الرب يدخل فيها التشريع والحكم ولكى يتم للمسلم توحيده فيجب عليه ان يفرد الله سبحانه وتعالى بهذا الحق لكونه ربا مشرعا لامشرع سواه كما قال الله تعالى فى محكم اياته .
(اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله ).
وقوله
(إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه)
يقول بن القيم عليه رحمة الله
مدارج السالكين المجلد الأول طبعة دار إحياء التراث العربي صفحة 137 :
الرضى بالله ربا : أن لا يتخذ ربا غير الله تعالى يسكن إلى تدبيره وينزل به حوائجه قال الله تعالى : قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء [ الأنعام : 164 ] قال ابن عباس رضى الله عنهما : سيدا وإلها يعني فكيف أطلب ربا غيره وهو رب كل شيء وقال في أول السورة : قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السموات والأرض [ الأنعام : 14 ] يعني معبودا وناصرا ومعينا وملجأ وهو من الموالاة التي تتضمن الحب والطاعة وقال في وسطها : أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا [ الأنعام : 114 ] أي أفغير الله أبتغي من يحكم بيني وبينكم فنتحاكم إليه فيما اختلفنا فيه وهذا كتابه سيد الحكام فكيف نتحاكم إلى غير كتابه وقد أنزله مفصلا مبينا كافيا شافيا وأنت إذا تأملت هذه الآيات الثلاث حق التأمل رأيتها هي نفس الرضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا ورأيت الحديث يترجم عنها ومشتق منها فكثير من الناس يرضى بالله ربا ولا يبغي ربا سواه لكنه لا يرضى به وحده وليا وناصرا بل يوالي من دونه أولياء ظنا منه أنهم يقربونه إلى الله وأن موالاتهم كموالاة خواص الملك وهذا عين الشرك بل التوحيد : أن لا يتخذ من دونه أولياء والقرآن مملوء من وصف المشركين بأنهم اتخذوا من دونه أولياء وهذا غير موالاة أنبيائه ورسله وعباده المؤمنين فيه فإن هذا من تمام الإيمان ومن تمام موالاته فموالاة أوليائه لون واتخاذ الولي من دونه لون ومن لم يفهم الفرقان بينهما فليطلب التوحيد من أساسه فإن هذه المسألة أصل التوحيد وأساسه وكثير من الناس يبتغي غيره حكما يتحاكم إليه ويخاصم إليه ويرضى بحكمه وهذه المقامات الثلاث هي أركان التوحيد : أن لا يتخذ سواه ربا ولا إلها ولا غيره حكما))انتهى قوله عليه رحمة الله
ثانيا من يقول بهذا القول حتما يقينا لا يعرف ما هو علم مقاصد التشريع وأهميته ودوره في حفظ ومعرفة أسباب ومقاصد الشارع الحكيم عند تشريعه لحكم معين وما هو الهدف من تشريع هذا الحكم الذى انزله الله فى كتابه وفي سنة رسوله
فالمقصد من هذه الاحكام ليس مجرد استعادة الحقوق ودفع المظالم وتحصيل المصالح ودفع المفاسد الدنيويه انما هناك امر سابق على هذه المقاصد واهم منها واعظم واجل وبه يحكم على كون التشريع هو حكم الله ام حكم غيره وهو المقصد الاول من كل تشريع وهو تعبيد الناس لله تعالى واخراج الناس عن داعية هواهم الى الاذعان الى حكم الله .
وسنتطرق بشيء من التفصيل لهذا الموضوع عندما نصل الى الرد على هذه الشبهة بأذن الله تعالى .
وقولنا بانها عامة ايضا لان المراد منها تصحيح فهوم بعض الموحدين وتنبيههم لامر مهم وهو عدم التهويل والاكثرات لكل مايصدر من شبهات تخالف مايعتقده الموحد وهو يعلم يقينا انها شبهات وان لم يعرف الرد عليها فهذه الفهوم يجب ان تصحح ويجب على اصحابها ان يتبعوا منهج الرسل فى مثل هذه الحالات وقد ذكرنا فى رسالة( سبيل المؤمنين لمعرفة بعض المصطلحات فى اصل الدين) كيف كان الرسل يتعاملون مع هذا النوع من الشبهات دون الرد عليه ولاننا نعرف ان هذه الرسالة لم تنشر سنعيد ذكر هذه القاعدة هنا حتى تصحح هذه الفهوم وتنشغل بما ينفعها فى دينها ودنياها
وقولنا بأن هذه الرسالة عامة أيضا لأننا سنعرض فيها لبعض المفاهيم التى خالفت مراد الله ورسوله منها واستعملت فى غير ماوضعت له فكانت النتيجه مصيبة على صاحبها وعلى من اعتقد اعتقادة او شك فيما هو عليه .
ولهذا سنبدأ بمقدمتنا المعهودة للتذكير بمنهجنا وهو معرفة مراد الله ورسوله اولا من الالفاظ ومعرفة معانيها كما ارادها الله ورسوله منها
لأن معرفة مراد الله ورسوله من الالفاظ ومعرفة حدود هذه الالفاظ ومعانيها خاصة ماتعلق منها بالتوحيد وبالايمان والكفر هو اصل العلم فمن لم يعرف مراد الله منها لم يمكنه فهم مايتعلق بها ومالايتعلق بها وكان كلامه فيها خلطا وكذبا وافتراء على الله ورسوله ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم
يقول بن القيم فى إعلام الموقعين
[ جزء 1 - صفحة 220 ]
ولهذا كان معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله أصل العلم وقاعدته وأخيته التي يرجع إليها فلا يخرج شيئا من معاني ألفاظه عنها ولا يدخل فيها ما ليس منها بل يعطيها حقها ويفهم المراد منها)انتهى
وموضوع فهم معانى الالفاظ وأعطاءها حقها وفهم المراد منها قد لايتفطن كثير من الناس الى اهميتة بل الى خطورته اذا حدث عدم الفهم هذا فى امور تتعلق باصل الدين وبافراد الله تعالى بمايستحق ان يفرد به وحده سواء من افعال ربوبيته سبحانه او من اسمائه وصفاته او من عبادته وحده لاشريك له او فيما يخل باصل هذا الدين وبما يتعلق بلا أله الا الله وتكون المصيبة اعظم اذا تبع سوء الفهم هذا بسوء القصد عندها تخرج الشبهات وتختلط المعانى والالفاظ ويلتبس مراد الله ورسوله على كثير من الناس فيسلكون الطريق التى امر الله ورسوله باجتنابها ولهذا كان من اعظم ماأنعم الله به على عباده هو صحة الفهم وحسن القصد ليتمكن الانسان من معرفة مراد الله ورسوله
يقول بن القيم فى إعلام الموقعين
[ جزء 1 - صفحة 87 ]
صحة الفهم وحسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده بل ما أعطي عبد عطاء بعد الإسلام أفضل ولا أجل منهما بل هما ساقا الإسلام وقيامه عليهما وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم وطريق الضالين الذين فسدت فهومهم ويصير من المنعم عليهم الذين حسنت أفهامهم وقصودهم وهم أهل الصراط المستقيم الذين أمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد يميز به بين الصحيح والفاسد والحق والباطل والهدى والضلال والغي والرشاد ويمده حسن القصد وتحري الحق وتقوى الرب في السر والعلانية ويقطع مادته اتباع الهوى وإيثار الدنيا وطلب محمدة الخلق وترك التقوى) انتهى كلامه
وهذا غالب فى هذه الايام على كثير من الناس بل على اغلبهم من الخائضين فى دين الله بدون فهم لمراد الله ورسوله فتجدهم يحلون ماحرم الله ويحرمون مااحل الله ويجعلون من البدعه سنة ومن السنة بدعه ومن الشرك وسطيه ومن التوحيد غلو وتشدد وتطرف فأى مصيبة أبتلى بها اهل التوحيد اعظم من هذه المصيبه
يقول بن تيميه فى مجموع الفتاوى
[ جزء 17 - صفحة 352 ]
و مثل هذه البدع كثير جدا يعبر بألفاظ الكتاب و السنة عن معان مخالفة لما أراده الله و رسوله بتلك الألفاظ و لا يكون أصحاب تلك الأقوال تلقوها إبتداء عن الله عز و جل و رسوله صلى الله عليه و سلم بل عن شبه حصلت لهم و أئمة لهم و جعلوا التعبير عنها بألفاظ الكتاب و السنة حجة لهم و عمدة لهم ليظهر بذلك أنهم متابعون للرسول صلى الله عليه و سلم لا مخالفون له و كثير منهم لا يعرفون أن ما ذكروه مخالف للرسول صلى الله عليه و سلم بل يظن أن هذا المعنى الذي أراده هو المعنى الذي أراده الرسول صلى الله عليه و سلم و أصحابه فلهذا يحتاج المسلمون الى شيئين
أحدهما
معرفة ما أراد الله و رسوله صلى الله عليه و سلم بألفاظ الكتاب و السنة
بأن يعرفوا لغة القرآن التى بها نزل و ما قاله الصحابة و التابعون لهم بإحسان و سائر علماء المسلمين فى معانى تلك الألفاظ فإن الرسول لما خاطبهم بالكتاب و السنة عرفهم ما أراد بتلك الألفاظ و كانت معرفة الصحابة لمعانى القرآن أكمل من حفظهم لحروفه و قد بلغوا تلك المعانى إلى التابعين أعظم مما بلغوا حروفه فإن المعانى العامة التى يحتاج إليها عموم المسلمين مثل معنى التوحيد و معنى الواحد و الأحد و الإيمان و الإسلام و نحو ذلك كان جميع الصحابة يعرفون ما أحب الله و رسوله صلى الله عليه و سلم من معرفته و لا يحفظ القرآن كله إلا القليل منهم) انتهى كلامه عليه رحمة الله
يقول بن القيم في إغاثة اللهفان
في معرض كلامه عن الشبهات .
(وقسم القلوب عند عرضها عليها إلى قسمين :
قلب إذا عرضت عليه فتنة أشربها كما يشرب السفنج الماء فتنكت فيه نكتة سوداء فلا يزال يشرب كل فتنة تعرض عليه حتى يسود وينتكس وهو معنى قوله كالكوز مجخيا أي مكبوبا منكوسا فإذا اسود وانتكس عرض له من هاتين الافتين مرضان خطران متراميان به إلى الهلاك (نعوذ بالله من ذلك) :.
أحدهما :
اشتباه المعروف عليه بالمنكر فلا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا وربما استحكم عليه هذا المرض حتى يعتقد المعروف منكرا والمنكر معروفا والسنة بدعة والبدعة سنة والحق باطلا والباطل حقا.
الثاني :
تحكيمه هواه على ما جاء به الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وانقياده للهوى واتباعه له
وقلب أبيض قد أشرق فيه نور الإيمان وأزهر فيه مصباحه فإذا عرضت عليه الفتنة أنكرها وردها فازداد نوره وإشراقه وقوته والفتن التي تعرض على القلوب هي أسباب مرضها وهي فتن الشهوات وفتن الشبهات فتن الغي والضلال فتن المعاصي والبدع فتن الظلم والجهل
فالأولى توجب فساد القصد والإرادة والثانية توجب فساد العلم والاعتقاد).انتهى كلامه عليه رحمة الله
فانظر الى قوله ان الاولى وهى اشتباه المعروف عليه بالمنكر والمنكر بالمعروف توجب فساد القصد والارادة
والثانية وهى تحكيم هواه على ماجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وانقياده للهوى واتباعه له توجب فساد العلم والاعتقاد نعوذ بالله من كلاهما
ويقول بن القيم مبينا عظم هذه المصيبة على الإسلام المسلمين
فى كتاب الروح [ جزء 1 – صفحة 62 ]
فصل
الأمر الثاني أن يفهم عن الرسول مراده من غير غلو ولا تقصير
فلا يحمل كلامه ما لا يحتمله ولا يقصر به عن مراده وما قصده من الهدى والبيان وقد حصل باهمال ذلك والعدول عنه من الضلال والعدول عن الصواب ما لا يعلمه إلا الله بل سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام بل هو أصل كل خطأ في الأصول والفروع ولا سيما إن أضيف إليه سوء القصد فيتفق سوء الفهم في بعض الأشياء من المتبوع مع حسن قصده وسوء القصد من التابع فيا محنة الدين وأهله والله المستعان
وهل أوقع القدرية والمرجئة والخوارج والمعتزلة والجهمية والرافضة وسائر الطوائف أهل البدع إلا سوء الفهم عن الله ورسوله حتى صار الدين بأيدى أكثر الناس هو موجب هذه الإفهام والذى فهمه الصحابة ومن تبعهم عن الله ورسوله فمهجور لا يلتفت اليه ولا يرفع هؤلاء به رأسا ولكثرة أمثلة هذه القاعدة تركناها فانا لو ذكرناها لزادت على عشرة ألوف حتى أنك لتمر على الكتاب من أوله إلى آخره فلا تجد صاحبه فهم عن الله ورسوله ومراده كما ينبغى في موضع واحد وهذا إنما يعرفه من عرف ما عند الناس وعرضه على ما جاء به الرسول وأما من عكس الأمر بعرض ما جاء به الرسول على ما اعتقده وانتحله وقلد فيه من أحسن به الظن فليس يجدى الكلام معه شيئا فدعه وما اختاره لنفسه ووله ما تولى واحمد الذى عافاك مما ابتلاه به) انتهى كلامه
الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به
ومن هنا من نهاية كلام هذا الإمام الجليل سنبداء رسالتنا وسنبين خطتنا فى معرفة مراد الله ورسوله من الالفاظ التى استعملها كل من جاء بهذه الشبهه سواء قديما او حديثا لنتمكن من عرض كلامهم على ماجاء به الرسول وهذا لايكون كما قلنا الا اذا عرفنا معانى الالفاظ التى جاءت فى كتاب الله وسنة رسوله ومراد الله ورسوله منها ثم معرفة ما فى اوراق المخالفين من معانى للالفاظ ومعرفة مرادهم منها ثم نعرضها على معانى الالفاظ التى جاءت فى كتاب الله وسنة رسوله و حسب مراد الله ورسوله فان وافقته فهو الحق وان خالفته رمينا بها عرض الحائط و نصحنا اصحابها ان يتوبوا الى الله مما قالوا وان يعلنوا تبرائهم منها ومن كل من اعتقدها او عمل بها
قال شيخ الإسلام فى مجموع الفتاوى [ جزء 13 – صفحة 135 ] :
جماع الفرقان بين الحق والباطل والهدى والضلال والرشاد والغي وطريق السعادة والنجاة وطريق الشقاوة والهلاك ان يجعل ما بعث الله به رسله وأنزل به كتبه هو الحق الذى يجب اتباعه وبه حصل الفرقان والهدى والعلم والايمان فيصدق بأنه حق وصدق وما سواه من كلام سائر الناس يعرض عليه فإن وافقه فهو حق وان خالفه فهو باطل وان لم يعلم هل وافقه أو خالفه لكون ذلك الكلام مجملا لا يعرف مراد صاحبه أو قد عرف مراده ولكن لم يعرف هل جاء الرسول بتصديقه أو تكذيبه فانه يمسك فلا يتكلم الا بعلم والعلم ما قام عليه الدليل والنافع منه ما جاء به الرسول وقد يكون علم من غير الرسول لكن فى أمور دنيوية مثل الطب والحساب والفلاحة والتجارة
وأما الأمور الالهية والمعارف الدينية فهذه العلم فيها مأخذه عن الرسول فالرسول أعلم الخلق بها وأرغبهم فى تعريف الخلق بها وأقدرهم على بيانها وتعريفها فهو فوق كل أحد فى العلم والقدرة والارادة وهذه الثلاثة بها يتم المقصود ))))انتهى
وسنتكلم هنا عن بعض الألفاظ ومعانيها ومراد الله ورسوله منها حتى نتمكن من عرض كلام المخالفين عليها كما قلنا وقررنا سابقا