أولا نصوص في بيان مكانة التوحيد من الديانة وعظيم فضل الشهادتينً_
تكاثرت النصوص في هذا الشأن و تعاضدت .وقد يكفيك في الوقوف علي مكانة التوحيد والشهادتين من الديانه قول الرسول صلي الله عليه وسلم "بني الإسلام علي خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان " متفق عليه.
نهي الكلمة التي أرسل الله بها رسله وأنزل بها كتبه ولأجلها خلقت الدنيا والأخرة والجنة والنار وفي شأنها تكون الشقاوة والسعادة وبها تؤخذ الكتب باليمين أو الشمال . ويثقل الميزان أو يخف وبها النجاة من النار بعد الورود وبها أخذ الله الميثاق وعليها الجزاء والمحاسبة وعنها السؤال يوم التلاق إذ يقول تعالي "فوربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون " [الحجر]
وقال تعالي " فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين" [الأعراف]
هي كلمة الشهادة ومفتاح دار السعادة وهي أصل الدين واساسه ورأس أمره وساق شجرته وعمود فسطاطه وبقيه أركان الدين وفرائضه متفرعه عنها ومتشعبه منها مكملات لها مقيدة بالتزام معناها والعمل بمقتضاها فهي العروة الوثقي التي قال الله عز وجل "فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروه الوثقي لاانفصام لها " [البقره]
قال سعيد بن جبير والضحاك وهي العهد الذي ذكر الله عز وجل إذ يقول "لايملكون الشفاعه إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً " [مريم]
قال ذلك عبدالله بن العباس رضي الله عنه قال أهي شهادة أن لاإله الا الله والبراءة من الحول والقوة إلا بالله وأن لا يرجوا إلا الله عز وجل.
هي الحسني التي قال الله عز وجل ((فأما من أعطي و اتقي وصدق بالحسني فسنيسره لليسري)) [الليل]
قال أبو عبدالرحمن السلمي والضخاك ورواه عطية عن بن عباس.
هي كلمة الحق التي ذكر الله عز وجل إذ يقول تعالي(( إلا من شهد بالحق وهم يعلمون)) [الزخرف: 86] قال ذلك البغوي.
وهي كلمة التقوي التي ذكر الله عز وجل إذ يقول((وألزمهم كلمة التقوي وكانوا أحق بها و أهلها))[ الفتح :26] روي ذلك بن جرير وعبدالله بن أحمد والترمزي باسانيدهم الي أبي كعب رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم
وهي القول الثابت التي ذكر الله إذ يقول تعالي(( يثبت الله الذين أمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة)) [إبراهيم:27]
أخرجاه في الصحيحين عن البراء بن عازب رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم
وهي الكلمة الطيبة المضروبة مثلاً قبل ذلك إذ يقول تعالي (( ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء)) إبراهيم 24
وهي الحسنة التي ذكر الله عز وجل إذ يقول (( من جاء بالحسنة فلهعشر أمثالها)) الأنعام 160
وعن أبي ذر مرفوعاً ((( هي أحسن الحسنات,وهي تمحو الذنوب والخطايا)))
وهي المثل الأعلي الذي ذكر الله عز وجل إذ يقول ((وله المثل الأعلي في السموات و الأرض)) الروم 27
وهي سبب النجاة كما في صحيح مسلم أن النبي صلي الله عليه وسلم سمع مؤذناً يقول( أشهد أن لا إله الا الله ) فقال صلي الله عليه وسلم (خرجت من النار ) وفيه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول ( من شهد أن لا إله إلا الله أني محمداً رسول الله حرم الله عليه النار ) أخرجه مسلم
وهي سبب دخول الجنة كما في الصحيحين عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي عليه وسلم (من قال أشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله أن عيسي عبدالله وابن أمته وكلمته ألقاهل الي مريم وروح منه وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنه من أي أبواب الجنة الثمانية شاء ) وفي رواية (أدخله الله الجنة علي ماكان من العمل ) متفق عليه.
وهي أفضل ماذكر الله عز وجل به وأثقل شئ في ميزان العبد يوم القيامه كما في المسند عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم ( أن نوحاً عليه وسلم قال لأبنه عند موته : أمرك بلا إله إلا الله فإن السموات السبع والأرض السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة لرجحت بهن لا إله إلا الله )ارجع معارج القبول ج1 ص 320 و ما بعدها دار الحديث
هذا و إن كانت لا إله إلا الله محمد رسول الله وهي شهادة التوحيد سبباً في دخول الجنة في الآخرة فهي أيضاً سبباً في عصمة المال والدم في الدنيا يقول الرسول الكريم ( أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا لا إله إلا الله ) قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( من قال لاإله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله عصم ماله ورده وحسابه علي الله)
نخلص مما سبق أن مكانة التوحيد من الديانة هي أعلي مكانة وأن الأعتصام بشهادة التوحيد سبباً في دخول الجنة في الأخرة.
وعصمة الدم والمال في الدنيا.
غير وأنه كما قيل في موضوع الصلاة أنه ليس كل مصلي ينال هذا الأجر العظيم الموعود به المصلين حتي يأتي الصلاة علي النحو الذي شرعه الله وبينه الرسول
كذا يمكن أن يقال هنا أن هذه المكانة من تحقيق التوحيد وما يحققه من ثمرة عصمة الدم والمال وخلافه من فضل التوحيد لا يناله كل من قال لا اله الا الله محمداً رسول الله حتي يأتي بهذه الشهاده وهذا التوحيد علي النحو الذي آراده الله وبينه الرسول صلي الله عليه وسلم.
ولذا نجد هؤلاء العلماء العظماء الذين لا ينفكوا عن ذكر فضل التوحيد ودعوة الناس إليه مذكرين وداعيين لا يقتصرون عن الوقوف عن هذا القدر فقط حيث أنهم يعلموا أنهم لا يدعون الي مجرد الكلمة ولكن الي حقيقة شرعية كبيرة هي أصل هذا الدين العظيم وليست مجرد الكلمة وذلك كما قال صاحب معارج القبول:
وشروط سبعة قيدت
وفي النصوص الوحي حقاً وردت
فإنه لم ينتفع قائلها
بالنطق إلا حيث يستكمل
وقد قال في شرح هذه الأبيات :
(ومعني إستكاملها إجتماعاً في العبد و التزامه إياها بدون مناقضة منه بشئ منهاوليس المراد من ذلك من ألفاظها وحفظها )
ويقول ( وشروط سبعة قيدت أي قيد بها
إنتفاع قائلها بها في الدنيا و الآخرة من الدخول في الإسلام و الفوز بالجنة والنجاة من النار (وفي نصوص الوحي)من الكتاب و السنة(حقاً وردت ) صريحة صحيحة)
هذا وقد يدلك علي أن هذا التوحيد العظيم العظيم ليس مجرد النطق بالشهادتين:
(1) أن المنا فقين ما زالو يردودوها وهم مع ذلك وكما قال الله فيهم ( إن النافقين في الدرك الأسفل في النار ) النساء
(2) كما أن آولئك الذين ذكرتهم الأيات في سورة التوبه وقضت بكفرهم لم يكونوا قج امتنعوا عن هذه الشهادة بل كان منهم من في حاله من أعظم أعمال الإسلام وهي الجهاد في سبيل الله ونتصبر بذلك أولئك الذي نزل فيهم: (( ولئن سئلتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وأياته كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم )) التوبة وهؤلاء الذي قال تعالي فيهم
:""يحلفون بالله ما قالوا ولقج قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم "" التوبة
كما أن هؤلاء الذين قاتلهم الصحابه وسموهم مرتدين وغنموا أموالهم وسبوا نسائهم ونقصد بهم أولئك مانعي الزكاه لم يكونوا قد تركوا من الدين غير هذا الأمر ولم يتخلوا عن شهاده لا اله الا الله محمد رسول الله ومع ذلك فقد سماهم الصحابه الكرام بالمرتدين وقاتلوهم قتال المرتدين علي ذلك .
وهؤلاء ممن تابعوا مسيلمه الكذاب لم يكونوا تركوا شهاده ان لا اله الا الله ولم يعودوا الي عباده الأوثان بل لم يجحدوا نبوه محمد صلي الله عليه وسلم ولكن قالوا بنبوه مسيلمه الكذاب معه وكما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن هؤلاء لم يشركوا في الربوبيه أو الألوهيه ولكن أشركوا في الرساله فاعتبروا خارجين عن ا لمله بمثل ذلك قال : فما الظن بمن أشرك بالله وهو أشد .لهذا يقول أحد العلماء الكرام عن هذه الكلمة كلمة التوحيد (كلمة هذه الكلمة العظيمة لا يحصل رجائها إلا في حق من أتي بقيودها التي قيدت بها في الكتاب والسنة وقد ذكر سبحانه في سورة براءة وغيرها كثيراً ممن يقولها ولم ينفعهم قولها كحال أهل الكتاب والمنافقين علي كثرتهم وتنوعهم في نفاقهم فلم تنفعهم مع ماقام بهم من ترك تلك القيود ) .أ.ه فتح المجيد شرح كتاب التوحيد . تعليق الشيخ حامد الفقي ص50 الهامش. ويقول في موضع آخر
( كثير من الناس يخطئون في فهم أحاديث (من قال لاإله إلا الله دخل الجنة ) يظنون بأن التلفظ بها يكفي وحده للنجاة من النار ودخول الجنة وليس كذلك فإن من يظن ذلك من المغرورين لم يفهم ( لا إله إلا الله ) لأنه لم يتدبرها إذ حقيقة معناها : البراءة من كل معبود والتعهد بتجريد كل أنواع العبادة لله سبحانه وحده والقيام بها علي الوجه الذي يحبه ويرضاه فمن لم يقم بحقها من العباده أو قام ببعض أنواع لعبادة ثم عبد مع الله غيره من دعاه الأولياء والصالحين والنذر لهم ونحو ذلك فإنه يكون هادماً لها . فلا تنفعه دعواه ولا تغني عنه شيئا. ولو كان مجرد قولها كافياً لم يقع من المشركين ما وقع من محاربة الرسول صلي الله عليه وسلم ومعادته. قال الله تعالي : (فاعلم أنه لا إله إلا الله ) وقال ( إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ) فمن لم يوف بها ويعمل بمقتضاها لا ينفعه التلفظ. وكل من جعل شيئاً من أنواع العباده لغير الله فهو إما جاهل بمعناها أو كاذب في إدعائه الإيمان وآولئك هم المغرورون ( الآخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) فتح المجيد تحقيق الشيخ محمد حامد النقي ص54 الهامش
وهذا ولو ذهبنا نتتبع أقوال أهل العلم في ذكر فضل الشهادتين أن هذا الفضل لا ينال مجرد الكلمة ولكن بمضمون يجب أن يلتزم به أو كما قال شارح معارج القبول الإلتزام بمعناها والعمل بمقتضاها. لطال بنا المقام ولكن نكتفي بهذا القدر حالياً
ولله در شارح معارج القبول حيث يقول في شأن الحديث الشريف" من قال لا الة إلا الله دخل الجنه"يقول
قال ابو بكر:فان جاز لاحتجاج بمثل هذة الخبر المختصر في الايمان واستخفاق المرء به الجنة وترك الاستدراك بالاخبار المفسرة المتقصاة لم يؤمن أن يحتج جاهل معانديقول:بل الايمان إقام صلاه الفجر وصلاه العصر وأن يصليها يستوجب الجنه ويعاذ من النار وإن لم يأتي بالتصديق ولا بالأقرار بما أقر أن يصدق به ويقر به ولا يعمل بشئ من الطاعات ويحتج بخبر عمار بن روبيه فذكره بإسناده إلي عمار بن روبيه رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول "من صلي قبل طلوع الشمس وقبل غروبها حرمه الله علي النار "
قال وكل عالم يعلم دين الله وأحكامه يعلم أن هاتين الصلاتين لا توجبان الجنه مع ارتكاب المعاصي وإنها إنما رويت في فضائل هذه الأعمال . قلت أن الشيخ حافظ حكمي :للا إله إلا الله لوازم ومقتضيات وشروط مقيد لدخول الجنه بالتزام قائلها لجميعها واستكماله إياها كما قدمنا بسطه والحمدلله )
[ معارج القبول ج2 ص 343,344