بسم الله الرحمن الرحيم
في هذا القسم سنحاول دراسة علم أصول الفقه والتي لها أهمية كبيرة في استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها
التفصيلية ، وفيما يلي سنعرّف أصول الفقه لنتعرف على ما سندرسه
تعريف علم أصول الفقهكلمة أصول الفقه مركبة من جزأين ، هما : أصول ، وفقه . ولما كانت معرفة المركب تتوقف على معرفة مفرداته
، لأن معرفة الكل تتوقف على معرفة أجزائه ، كان من اللازم علينا أن نعرف معنى اللفظين أولاً لنتمكن من
الوصول إلى تعريف محدد لأصول الفقه باعتباره علماً على علم مخصوص
أولاً : تعريف كلمة أصول
الأصول جمع أصل ، وهو في اللغة ما يبتنى عليه غيره ابتناء حسياً أو معنوياً
فالحسي كابتناء السقف على الجدران
والمعنوي كابتناء الفهم على الذكاء ، وابتناء الحكم على الدليل ونحو ذلك
فيطلق الأصل على كل من : الجدران للسقف ، الذكاء للفهم ، الدليل للحكم
فتكون الجدران أصل السقف ، والذكاء أصل الفهم ، والدليل أصل الحكم
وأما الأصل في الاصطلاح
- فقد يطلق على الراجح كما يقال : الأصل الحقيقة عند تعارض الحقيقة مع المجاز ، وتتقدم عليه عند التعارض
- وقد يكون الأصل بمعنى المستصحب ، والاستصحاب هو الاستناد في الحكم إلى ما كان عليه الأمر في الزمن
السالف ؛ فإذا شك الإنسان في طهارة الماء بمكان ما تركه طاهراً فيصار للقول بطهارته استصحاباً . وكما يقال
: الأصل في الأشياء الإباحة ، وما إلى ذلك فيستصحب حكم الأصل حتى يثبت عكسه بالدليل
- وقد يطلق الأصل في الاصلاح على القاعدة الكلية كما يقال : الأصل أن الأمر يفيد الوجوب ، وأن النهي يفيد
التحريم . يعني أن القاعدة هي ما ذكرنا في الأمر والنهي
وأخيراً قد يطلق الأصل بمعنى الدليل ، فيقال : الأصل في حكم الصلاة قوله تعالى : " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ
وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ " ، وكما يقال : الأصل في هذا الحكم هو الكتاب والسنة والإجماع ، ونحو
ذلك . وهو أشهر معاني كلمة أصل أليقها بالمقام هنا كما أرشد إلى ذلك الشوكاني في إرشاد الفحول
ثانياً : تعريف كلمة الفقهالفقه في اللغة هو الفهم والإدراك ، فتقول العرب : فقهت كلامك أي فقهت معناه ، ومنه قوله تعالى "
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ " أي لا تفهمون
وأما الفقه في اصطلاح الفقهاء فقد عرف بتعريفات عديدة ، اختلفت باختلاف العصور والأزمنة ، سنذكر منها أهمها
وأقربها : ( هو العلم بالأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية ) ومن هذا التعريف يندرج الآتي
العلم : يراد به مطلق الإدراك الشامل للتصور وإدراك المفردات بدون الحكم عليها بالصدق أو الكذب ، وهو ما
يعرف بإدراك النسبة بين الشيئين ، فالعلم يشمل إدراك التصور والتصديق معاً ، وبذلك لا يختص العلم بالفقه فقط ،
وإنما يتناول الفقه وغيره من سائر العلوم والأحكام
فالعلم كلمة عامة تنطبق على كل علم ، ويراد بها مطلق الإدراك ، فهي تنطبق على المعنى القطعي والظني من
المعاني العديدة
ويقصد بالأحكام : النسب التامة سواء كانت اعتقادية كالعلم بوجود الله ، أو عملية كالعلم بثبوت الوجوب للصلاة
والصيام وغيرهما ، او عقلية كالعلم بحدوث العالم ، أو لغوية كالعلم بأن الفاعل مرفوع والحال منصوب ، أو من
الحسيات كالعلم بإحراق النار ... ونحو ذلك
ويقصد بالشرعية : هي المنسوبة للشرع والمستفادة من أوامره ونواهيه كما هو الحال فيما يصدر عن الإنسان من
أعمال وتصرفات يحكم عليها بأحكام مختلفة بناء على الحل والحرمة والإباحة
وأما الأدلة التفصيلية فيقصد بالدليل المرشد والموضح ، وكلمة التفصيلية في هذا الموضع يراد بها الأدلة الخاصة
بالمسائل المعينة ، والتي تؤخذ من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم
فكل شيء له دليله في القرآن أو السنة ، وأخذ الحكم عن طريق الدليل هو صنيع المجتهدين