إن قضية التوحيد و إفراد الله تعالى بالعبادة هى القضية الكبرى و حاجة الإنسان إليها لا نتقطع و لا تنتهى ، فهى الأساس التى دعا إليها جميع الانبياء و بعثوا من أجل بيانها ، و من أجلها خُلقت الجنة و النار و نُصبت الموازيين و أُرسلت المرسلين و عليها دارت جهودهم و حاربوا من أجلها و سالموا و أُذوا.
و الكلام عنها لا ينتهى و لا يتوقف فهى لسيت مرحلة على الطريق يُنتقل منها إلى غيرها بل هى الطريق كله و هى قضية المحيا و الممات { قل إن صلاتى و نسكى و محياى و مماتى لله رب العالمين لا شريك له }
و هى الأصل و ما سواها فرع عنها و الحاجة للكتابة و البحث فيها و الدعوة إليها هى لٌب دعوة المرسلين عليهم الصلاة و السلام .
و مع ذلك هى قضية سهله واضحة بيعدة عن التعقيد و الإشكال يفهمها كل أحد سواء عالماً أو متعلماً أو أمياً و بُعث بها الأنبياء إلى سائر طبقات المجتمع ليس إلى الأذكياء فقط و إنما إلى الثقلين .
و فى العصر الحديث بحث الباحثون فى موضوع توحيد الألوهيه كثيراً بحمد الله إلا إن تناولهم لقضية التوحيد كان من جانب واحد فقط هو جانب العقيدة و ما يترتب عليها من أحكام ، و أستغرق الباحثون فى الكتابة عن تحديد الإصطلاحات و دلالاتها اللغوية و الشرعية و مراتبها و العلاقة بين أجزائها ، و كثُرت الكتابات عن نواقض التوحيد و الوقوف على المناطات المكفرة و تحديد أصل الدين و حد الإسلام و بيان حقيقة الإيمان ، و مما لا شك فيه أن هذه الكتابات كان لها بفضل الله تعالى أثر عظيم فى الدعوة و الـتأصيل و بيان معتقد أهل السنة و الجماعة ، فجزى الله خيراً العلماء الأفاضل الذين بذلوا الوقت و الجهد و صبروا على الأذى – من شياطين الأنس و من أهل البدع – فى سبيل بيان و تنقية العقيدة من الشوائب و الركام الذى علق بها فى القرون الأخيرة و قدموها للأمة كما كانت عند الأئمة و سلف الأمة رضى الله تعالى عنهم .
و لكن للأسف هذه الدراسات و الأبحاث جاءت فى قالب نظرى و تأصيلى بحت أشبه بالقالب الرياضى خالى تماماً من التأصيل التربوى و الجانب الروحى الذى هو وقود العبادة و الدافع للتضحية بالغالى و النفيس .
فكانت النتيجة أن أمتلئت الساحة أشخاصاً يعلمون و لا يعملون ، لا يملكون من العاطفة الإيمانية ما يؤثر فى المقابل أو حتى يؤثر فيهم أنفسهم و هم مع ذلك بارعون فى فن المناظرات و الجدال ، فصاروا يعملون كالقوالب جامدة لا تكاد تدب فيها الروح .
و أصبحت دعوتهم و عبادتهم أشبه بالوظيفة الرسمية ، فقست القلوب و خرجت الكلمات ميتة متساقطة لا تمس القلوب و أصبحت المواقف باهته خالية من التضحية ، و ظلت العقيدة أسيرة الكتب لا تخرج منها و لا تجد لها صورة حية فى أرض الواقع ، محفوظة فى العقول بعيدة عن القلوب ترف فكرى ليس إلا ........ و لا حول و لا قوة إلا بالله .
و الناظر لأحوال أمتنا يعلم أنه ما نزلت بساحتنا الكوارث و المصائب و الهزائم إلا عندما توارت العقيدة عن أرض الواقع و أنكمشت فى الاذهان دون تطبيق و ضعف الإيمان و قل اليقين و بردت العاطفة و أنقطعت الأشواق إلى رب السماء .
و هذا المقال أنما هو نداء و رجاء إلى العلماء و المفكرين و المربين لإعادة النظر فى المناهج المطروحة على ساحة العمل الإسلامى .
فنحن بحاجة الى منهج شامل متكامل عقائدى و تربوى فى آن واحد يروى بذرة الايمان فى قلوبنا لكى تثمر على أرض الواقع ثمارات التضحية و تعلو راية التوحيد فى أفاق مجد أمتنا ، خير أمة أخرجت للناس .